اقام مركز القدس للدراسات وعلى مدى ثلاثة أيام متتابعة، مؤتمرا إقليميا بعنوان، » الإسلاميون والحكم..قراءات في خمس تجارب «.. وهي تجربة تونس والمغرب ومصر وتركيا والعراق.. حيث خُصصت الجلسة الأخيرة للعلاقة بين الإسلاميين والحكم في «الأردن»..
تنقّلنا خلالها بأريحية بين محطاتها الربيعية الزاهية، والخريفية المحيّرة، والشتائية العاصفة، بين مد وجزْر.. عبر مخاض طويل، نفذ البعض منه بسلامة لسلاسة التجربة، وتعثَّر البعض الآخر لتعقّد ايدولوجياتها المنقسمة على نفسها وعلى غيرها بالرغم من ان الدين واحد.. والرب واحد.. والشعب واحد.. وبخاصة في المشهد العراقي..
توقفنا عند محطات مضيئة في تونس والمغرب.. حيث التشاركية بالحكم بين الإسلاميين والعلمانيين - بين حركة النهضة الإسلامية، ونداء تونس-وفوز «السبسي»، وتنازُل «الغنوشي»- رئيس الحركة- عن الحكم حقنا للدماء عبر حوار تشاركي راق، سمح لكافة الأطياف السياسية بالمشاركة متوخين بذلك المصلحة العامة، وذلك عبر خطاب متحضر وسلوك سياسي هادف لحركة النهضة مما يميز الشعب التونسي بأحزابه الإسلامية وغيرها بقدرتهم على الحوار والتشاركية بعيدا عن التعصب وإقصاء الآخر..
وفعلا لو عدنا قليلا للوراء، حيث لم يكن خطاب حركة النهضة على هذا النحو فقد حاولَتْ مطلع 2012 تضمين دستور تونس الجديد فقرة تنص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد قبل ان تتراجع عن ذلك تحت ضغط احزاب المعارضة والمجتمع المدني..
وقادت الحركة من نهاية 2012 وحتى مطلع 2014، حكومة ائتلافية شكلتها مع حزبين علمانيين هما «المؤتمر من أجل الجمهورية» و»التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات».
وفي نهاية كانون الثاني 2014..تركت الحركة السلطة لحكومة غير حزبية بموجب خارطة طريق طرحتها المركزية النقابية القوية لاخراج تونس من ازمة سياسية حادة اندلعت في 2013 إثر اغتيال معارض بارز للحركة..
والحديث يتشعب ويطول، اختصرُهُ بمناشدة الجميع للاستفادة من التجربة «التونسية» وايضا «المغربية» والتزود من معينيْهما..
فنجاح التجربة «المغربية «بربيعها الإصلاحي الذي استبق الربيع العربي بعقود، مهيئا البنية التحتية للمشاركة بالحكم من كافة الأطياف السياسية والإسلامية كحزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المغربي..لهي جديرة بالاهتمام..
وتقف «التجربة المصرية» بين مد وجزر فشَلِ الإخوان في إدارة الحكم، وولوج العسكر، ثم فوز «السيسي «، كلها تغييرات انبثق عنها نجاح حذِر نتمنى له المضيّ قدما على درب الإصلاح الديمقراطي..بغض النظر عن العراقيل المرئية والمخفية..
ناهيك عن «تركيا» التي تُعتبر نفسها علمانية بامتياز، بمرجعية دينية بحزب العدالة والتنمية التركي.. مما انعكس ايجابا على تشريعاتها واقتصادها وتقدمها الذي يشهد له الجميع..
وجاء المشهد «الأردني» الذي عرضه كل من الدكتور مصطفى حمارنة رئيس الجلسة، بمشاركة كل من الدكتور معروف البخيت، والدكتور مروان المعشر، وممثل عن حزب جبهة العمل الإسلامي.. فبين صد ورد الجانب الحكومي والجانب الاسلامي، برزت الشُقة الواسعة بين الطرفين..
حيث ركز الدكتور البخيت على تاريخ الأردن مع الحركة، ورفضها لعروض الحكومة بالمشاركة بالحكم، في حين ان مندوب الحركة الإسلامية سرد مواقف الحركة الإسلامية، ازاء إعطاء الثقة لحكومة النابلسي في عام 1956 واستنكافها عن القتال في 1970، ودور قانون الانتخاب بصوته الواحد في رفضهم المشاركة بالانتخابات، لكنه لم يتطرق الى الوضع الحالي وخطاب الحركة بظل التطورات الهائلة بالمنطقة، والتي تتطلب وضوحا بالرؤية، والخطاب، والموقف، والبرامج..
فطغيان الأسلوب الدعوي على السياسي عند البعض، محللين محرِّمين بعشوائية، بعثرالمفردات فاختلطت علينا متناقضاتِها، فشتّان ما بين الابتذال والجرأة الأدبية، وبين الحزم والعدوانية، وبين الفوضى والديمقراطية..
فبقدرة قادر اصبح بعض الدعويين بمثابة الحاكم والقاضي والجلاد!
ولهذا وضع الدكتور مروان المعشرالنقاط على الحروف للاستفادة من التجارب العربية الناجحة، وتجنّبِ نظيرتها السلبية، عبر المطالبة بإجراء حوار وطني معمق بين الدولة وكافة مكوناتها الاجتماعية والاقتصاية والسياسية..الخ، للخروج بـ «عَقد اجتماعي» جديد..
وهنا نتوقف متسائلين، بل مطالبين، وبالأحرى مناشدين الحكومة والأحزاب والمواطنين بالخروج ب «توليفة» تحدد علاقة «الدولة.. بالدين.. بالمجتمع»، وفق معاييرمتفق عليها، آخذين بعين الاعتبار، خصوصية موقع الأردن «الجيواستراتيجي»، الحامل دوما للعصا من الوسط، واقفا بإصرار في نقطة التوازن والاعتدال.. وما أصعب الثبات في المنطقة الوسطى بين الجنة والنار.. وبالأحرى بين النار والنار!
ولولا القيادة الهاشمية بحكمتها وحنكتها، وتفهّم المواطنين المنتمين لثرى هذا الوطن، لشفَطَنَا ثقبُ العواصف الأسود..