قررت اسرائيل و كرد فوري على توجه الرئيس عباس الى مجلس الامن و من ثم التوقيع على طلب الانضمام لبعض المعاهدات الدوليه ، قررت عدم تحويل عائدات الضرائب لميزانية السلطة و التي تعتبر الدخل الرئيس الذي بدونه تكون السلطة عاجزة عن تغطية فاتورة الراواتب. ليست هذه المرة الاولى التي تلجأ فيها اسرائيل الى اتخاذ مثل هذه الخطوة و من ثم التراجع عنها بعد شهر او شهرين حيث يتم التعامل معها على اعتبار انه " فركة اذن" اكثر منها قرار استراتيجي لادراكها ان هذا الامر اذا ما استمر سيقود الى وصول السلطة الى مرحله لن تكون قادره على القيام بوظائفها مما قد يؤدي الى انهيارها ، و اسرائيل حتى الان على الاقل ترى ان هناك مصلحه لها بأستمرار هذه السلطة.
و عندما تم توقيع اعلان الشاطئ في شهر مايو الماضي بين حركتي فتح و حماس و الذي كان نتيجته تشكيل حكومة "الوفاق الوطني " او كما يحلو لجز كبير من الفلسطينيين تسميتها بحكومة " النفاق الوطني" ، لم تكن حركة حماس لتقبل بالموافقة تقريبا على كل ما طلب منها ، خاصة تسمية الوزراء، لو انها كانت تعلم ان هذا الامر لن يحل مشكلة رواتب موظفيها التي وصلت الى مرحلة من عدم القدرة على توفير رواتب لهم منذ اكثر من عام و نصف، و ليس هناك شك ان العامل الاساسي الذي يحدد عمليا نجاح او فشل المصالحة يبدء من حل مشكل موظفي حماس. فشل تنفيذ بنود المصالحه التي تم الاعلان عنها في مخيم الشاطئ من عدم تمكن حكومة الوفاق لممارسة صلاحياتها على الارض و عدم الاتفاق على المعابر و ما يتمخض عنه من تعطيل لعملية الاعمار سببه الرئيسي و المباشر هو عدم التوصل الى حلول لمشكلة موظفي
حماس سواء كان في عملية الدمج او توفير الراتب.
و منذ ان اصبح الرئيس عباس رئيسا للسلطة منذ ما يقارب عشر سنوات ، وخاصة بعد ان قرر ازاحة حليفة السابق و عدوه اللدود الحالي محمد دحلان ، يتم استخدام سلاح الراتب كوسيلة لعقاب او ردع او ارهاب كل من يجروء على التعبير عن موقف او رأي يتعارض مع اي قرار يتم اتخاذه سواء هذا القرار قانوني او غير قانوني، اخلاقي او غير اخلاقي، قرار يتعلق بشأن تنظيمي او بشأن سلطوي. الراتب وفقا لهذا المنطق هو ليس حق مكتسب للموظف سواء كان عسكري او مدني بل هو سيف يستخدمه الحاكم لتعزيز سلطته و فرض ارادته على الموظفين الذي يتم التعامل معهم على انهم عبيد في مزرعته.
لذلك ، يكثر الحديث هذه الايام و بعد ان عبر الالاف من ابناء قطاع غزة، و الذي في غالبيتهم ينتمون الى حركة فتح، ان هناك كشوفات قد ارسلت الى وزارة المالية الفلسطينية باسماء العشرات من الكوادر و الاعضاء قطعت رواتبهم بقرار من رئيس السلطة بتهمة " مناهضة السياسة العامة لدولة فلسطين" او بتهمة عدم الانضباط، ليس مهم الصيغة او الشكل، في النهاية هذا السلاح النووي ، المحرم دوليا لوحشيته و عدم اخلاقيته تم استخدامه لقطع ارزاق الناس بسبب التعبير عن الرأي. هذا يعني ان من حق كل من تضرر او سيتضرر في المستقبل اللجوء الىى كل الوسائل القانونية المتاحه له ، بما في ذلك المؤسسات الدولية و الدول المانحه و القوانين المحلية لملاحقة كل من له علاقة بهذا الامر.
استخدام سلاح الراتب من قبل اعداء الشعب الفلسطيني و خصومه من اجل تطويعه بقبول مواقف لا يرغب باتخاذها او عقابه على مواقف قد اتخذها ليس بالامر الجديد، وهو امر يمكن تفهمه من اعداء لك و لقضيتك الوطنية. هكذا تصرفت الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الاولى عندما حاصرت منظمة التحرير و حاصرت كل مواردها المالية حيث وصلت الى مرحله لم تعد المنظمة قادرة على توفير رواتب او حتى طعام لموظفيها و قواتها العسكرية. و هكذا تتصرف اسرائيل منذ تأسيس السلطة الفلسطينية متذ ما يزيد عن العشرين عاما ، حيث الاجراء الاولي و الفوري لعقاب الشعب الفلسطيني و قيادته عندما تغضب من موقف او سلوك محدد تمنع تحويل اموال الضرائب التي هي ملك للشعب الفلسطيني.
لكن، ان يتم استخدام هذا السلاح ضد بعضنا البعض ، في خلافاتنا الداخلية و ضمن عملية استقواء على بعضنا البعض ، فهذا امر لا يمكن للعقل ان يتصوره او يقبله. و من يلجأ الى هذا الاسلوب ضد ابناء شعبه لا يحق له ان يلوم الاسرائيليين و يتهمهم بأنهم يمارسون عملا لا اخلاقيا يتنافى مع القانون الدولي و يرتقي الى جريمة حرب تستوجب تقديم مرتكبيها لمحكمة الجنايات الدولية كما وصفها الدكتور صائب عريقات.
اذا كان عدم تحويل اموال السلطة جريمة حرب، ماذا نسمي قطع راتب موظف لانه عمل " اعجاب " او كتب تعليق لا يعجب هذا المسؤول او ذاك او شارك في تظاهرة سلمية تعبيرا عن قرار معين او مطالبا بشيء محدد؟ ماذا نسمي ذلك، ؟ عمل اخلاقي ام عمل انساني ام عمل قانوني؟