لنتذكر الان, بعد اكثر من ثلاثة عشر عاماً, ان جلالة الملك بعدما قطع رحلته وعاد الى عمان بعد كارثة الحادي عشر من ايلول سبتمبر دعا الى اجتماع فوري للحكومة, حضره رئيسها دولة المهندس علي ابو الراغب وعدد محدود من الوزراء بالاضافة الى بعض قادة الاجهزة الامنية, وقال ان العالم بعد هذه الجريمة سيصنف بعد الان على اساس «ارهابيين» ومواجهين للارهاب وانه علينا ان نحرص على الا تُلصق هذه التهمة بالعرب والمسلمين.. ونظر الينا وقال يجب الاتصال بالأخ (ابوعمار) وتنبيهه الى ضرورة ضبط الاوضاع الفلسطينية تجنباً لاعتبار منظمة التحرير منظمة ارهابية.
والمعروف أن (ابوعمار) رحمه الله قد ظهر بعد ساعات وهو يتبرع بدمه لضحايا هذه الجريمة مما جعل جورج بوش (الابن) يسارع الى القول انه انسان جيد وإنه ضد الارهاب لكن المشكلة ان حركة «حماس» بدل ان تتقي الله بشعبها بادرت على الفور الى تنفيذ عدد من العمليات الانتحارية الصاخبة ضد اهداف مدينة اسرائيلية وضد مطاعم يملكها بعض عرب 1948 بادرت اسرائيل الى استخدامها كمبرر لالصاق التهمة الارهابية بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير الفلسطينية.
ثم وإن المفترض ان هناك من يتذكر ان جلالته قد دأب على التحذير, بعد استفحال ظاهرة «داعش» من أن هذه الحرب التي اطلق شرارتها الارهابيون ستتحول الى حرب اسلامية – اسلامية وأنه قبل ايام قليلة من هذه العملية القذرة التي تمت في باريس قبل ثلاثة ايام قال ان التنظيمات الارهابية ستأخذ العالم الى حرب عالمية جديدة. وحقيقة فإنه يمكن القول أن هذه الحرب العالمية قد بدأت فعلياً بعد هذه الجريمة مباشرة وان العنوان هو مظاهرات اليوم (الاحد) الباريسية وهو تداعي الدول الاوروبية ومعها الولايات المتحدة الى اجتماعات امنية وعسكرية عاجلة وعلى مستويات عليا.
والمشكلة التي باتت تواجهها الجاليات العربية في الغرب كله والتي بات يواجهها العرب والمسلمون هي ان هذا الذي جرى في باريس قد اعتبر, رغم تحذيرات الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند, ليس عملاً ارهابياً قام به افراد مرتبطون بتنظيم ارهابي هو «القاعدة» وانما جريمة ارهابية يتحمل مسؤولياتها الاسلام والمسلمون فالتهمة جاهزة وهناك اجواء ملوثة وموجودة في معظم الدول الغربية والدليل هو التظاهرات الحاشدة التي شهدتها مدن المانية قبل يوم واحد فقط من هذه الجريمة التي ادمت قلوب الفرنسيين والمفترض أنها فتحت عيوننا على امور كثيرة من غير الجائز السكوت عليها بعدما وصلت الامور الى ما وصلت اليه.
إنه من الصعب الان اقناع الرأي العام الغربي المتوتر والمرتجف الفرائص بأنه لا علاقة لهذا الارهاب بالاسلام لا فكراً ولا ديناً ولا قيماً وان ما قتله الارهابيون من المسلمين الابرياء ومن اطفالهم ونسائهم يزيد بمئات الالوف عما قتلوه من الاوروبيين والمسيحيين وان هذه التظاهرات العنصرية التي تشهدها بعض العواصم والمدن الاوروبية لا تخدم الا هؤلاء الارهابيين الذين وجدوا وسيجدون فيها مبرراً لهذه الجرائم المرعبة وعلى اساس انهم بما يقومون به يدافعون عن الدين الاسلامي «المستهدف» ويدافعون عن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.. وبالطبع فإن هذا كذب وغير صحيح على الاطلاق.
يجب ان يدرك الغرب والاعلام الغربي إن كل هذا الاستهداف الكلامي للمسلمين وإن موجات الكراهية التي تشهدها بعض الدول الغربية ضد الاسلام تعطي المبرر الذي ينتظره الارهابيون لمواصلة بشاعاتهم وجرائمهم إن هنا في الشرق وإن هناك في الغرب.. ان المطلوب هو عدم الانسياق وراء «دهماء» الشوارع ووراء اليمين العنصري الذي وجد الفرصة مناسبة لفرض نفسه على المجتمعات الغربية وبخاصة المجتمع الفرنسي الذي يحمل إرث الثورة الفرنسية المجيدة.. إن امضى سلاح للقضاء على هذه الآفة الارهابية هو تجريدها من مبررات الجرائم التي ترتكبها وهو التصدي فكرياً وإعلامياً لموجة الكراهية التي باتت تجتاح بعض الدول الغربية والتي لا تخدم الا هؤلاء القتلة والارهابيين..