من المفترض ان يلتقي الرئيس عباس هذا اليوم مع نظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، اضافه الى لقاءات اخرى مع مفاتيح هامه في الدولة المصرية.
ليست هذه المرة الاولى التي سيلتقي فيها الرئيس عباس بالرئيس السيسي، فهذا امر اكثر من طبيعي بحكم ثقل مصر الاقليمي و الدولي و وقوفها الدائم مع الشعب الفلسطيني و قضيته العادله التي هي قضيتهم الاولى رغم ما تعرضت له مصر من اهتزازات في السنوات الاخيرة كادت ان تدخلها في متاهات و دهاليز يفقدها نفسها قبل ان يفقدها دورها و ثقلها الاقليمي.
مع ذلك هذا اللقاء يكتسب اهميه خاصه من حيث التوقيت، و قد يكون، او من المفترض ان يكون ، له نتائج ايجابيه على صعيد الوضع الدولي و ما تتعرض له القضيه الفلسطينية من مخاطر تحتاج الى المزيد من الجهد المصري والثقل المصري ، وكذلك على الصعيد الداخلي الفلسطيني بكل تشعباته التي تعرفه مصر جيدا و تعيش تفاصيله .
اللقاء يأتي بعد المعركة الخاسرة التي خاضها الرئيس عباس في الامم المتحدة، على الاقل حتى الان، و عنوان فشلها ليس الاخفاق في الحصول على العدد الكافي من اعضاء مجلس الامن لتقديم المشروع، ربما يكون هذا الامر مقصود لعدم احراج الولايات المتحدة من خلال اضطرارها لاستخدام (الفيتو) ، بل الاخفاق كان في تقديم مشروع لم تدعمه او تؤيده اي جهة او فصيل فلسطيني او عربي، بما في ذلك اللجنة المركزيه لحركة فتح التي لم يسمع احد من اعضاءها يدافع عن الصيغه المقدمه باستثناء الدكتور صائب عريقات الذي هو نفسه اقر فيما بعد انه تم اكتشاف ثغرات في مشروع القرار سيتم تعديلها.
لا شك ان الرئيس السيسي سيستمع بشكل جيد لشرح الرئيس عباس عن تفاصيل هذه ( المعركة) الخاسره، لن ينفعل كثيرا لان الموقف المصري واضح و صريح وهو ضد المفاوضات العبثية في ظل الاستيطان و ضد اضاعة الوقت الثمين من عمر القضية الفلسطينية، و ضد استمرار المفاوضات الثنائية اكثر من ذلك ، و يعتبرون ان اوسلو لم يتبق منه سوى الاستيطان و التنسيق الامني ، وهم مقتنعون اكثر من اي وقت مضى ان حل القضية الفلسطينية هو فقط من خلال البوابه الاقليمية و الدولية و ان المبادرة العربية هي المشروع الوحيد الذي يجب ان يبقى على الطاوله و ما تبقى هي مشاريع ثبت فشلها كما هو الحال مع اتفاقات اوسلو وتوابعها من مفاوضات ثنائية عقيمة فقط استغلتها اسرائيل جيدا لخلق حقائق جديدة على الارض جعلت من حل الدولتين امرا غير قابل للتطبيق.
هذا اللقاء يأتي بعد اللقاء المطول الذي اجراه الرئيس السيسي مع السيد محمد دحلان في القاهرة، و على الرغم من ان القيادة المصريه لم يصدر عنها اي شيئ عن هذا اللقاء ، و على الرغم من ان مستشار الرئيس نمر حماد قال انهم اتصلوا بالرئاسه المصريه التي نفت الخبر، بغض النظر عن كل ذلك، الرئيس يعرف و نمر حماد يعرف ان اللقاء تم، و لم يكن اللقاء الاول، و لن يكون اللقاء الاخير .
مصر دولة كبيرة ، و الرئيس المصري رئيس كبير يعرف تماما ما يفعل.لم تكن مصر يوما تلعب على وتر الخلافات الداخليه، فهي اكبر بكثير من ذلك و هي ليست بحاجه الى ذلك، ولكن مصر تدرك جيدا ،على ما يبدو، ان سياسة الرئيس عباس في كل ما يتعلق بمحاولاته اقصاء شخصية قيادية مؤثرة بحجم محمد دحلان لا يخدم القضية الفلسطينية ولا يخدم حركة فتح و لا يخدم مصر التي تعرف بالملموس حجم دحلان، ولولا ذلك لما استقبله الرئيس السيسي اكثر من مره ، رغم ادراكه ان هذا الامر يخلق بعض الحساسية . و لان السياسية لا تعترف الا بلغة المصالح والحسابات الدقيقة فأن الرئيس السيسي و القيادة المصريه يدركون جيدا ، وغير ملزمين ان يوافقوا على ما يفعله الرئيس عباس في كل ما يتعلق بالموقف او الاجراءات من دحلان. وان لم يقولوا له ذلك بصراحه، و حتى ان لم يتم طرح الموضوع لهذا السبب او ذاك فان الموقف المصري و الرغبة المصرية واضحه وضوح الشمس.
قد لا تكون لهم رغبة الان في الضغط على الرئيس عباس لانهاء خلافه مع دحلان لانشغالهم اكثر في تحصين جبهتهم الداخليه، او لشعورهم بان الرئيس عباس غير جاهز و غير مستعد و لديه الاستعداد ان يضحي بوحدة فتح ووحدة الشعب الفلسطيني و الا يتراجع عن موقفه حتى وان كان هذا الموقف مبني على الاستقواء و الاستخدام السيئ للصلاحيات.
الامر الثالث الذي سيكون على طاولة البحث هو المصالحه الفلسطينية المتعثرة و تداعيات هذا التعثر على انطلاق مسيرة الاعمار و استمرار اغلاق معبر رفح و ما يتسببه ذلك من معاناة للاهل في غزة اكثر من قدرة البشر على تحملها.
في هذا السياق قد لا تكون نقاط الخلاف كثيره حيث من وجهة نظر الطرفين، حركة حماس ستأخذ النصيب الاكبر من تحمل المسؤلية لتعثر جهود المصالحه و تعثر الاعمار، و استمرار سيطرتها على قطاع غزة يعتبر احد الاسباب من وجهة نظرهم في استمرار اغلاق المعبر . مع الاخذ بعين الاعتبار الاسباب الاخرى و التي اهمها الوضع الامني في سيناء و الذي هو اخطر بكثير مما يتخيله او يستهين به البعض. و ربما القرار المصري بفتح المعبر لثلاثة ايام و من ثم عدم فتحه بعد اختطاف احد ضباط الشرطه العاملين و قتله على يد الجماعات الارهابيه هو دليل حي على صعوبة الاوضاع هناك.
هذا الامر على الرغم من خطورته لا يبرر بالمطلق استمرار اغلاق المعبر بهذا الشكل شبه الدائم ، لان من يدفع الثمن هو ابناء الشعب الفلسطيني الذين ليس لهم علاقه بكل هذه التجذابات السياسية.
لذلك ، من المفترض ان يكون هناك تغيير ملموس جدا في الاهتمام المصري سواء كان في الملف الفلسطيني الداخلي او الملف السياسي. مصر ليس امامها خيار سوى ان تستعيد دورها الكبير في لملمة الشمل الداخلي الفلسطيني بما في ذلك علاقاتها مع حماس و علاقة حماس بمصر ، و الاشراف الفاعل على انجاز ملف المصالحة الوطنية، و كذلك المصالحه داخل حركة فتح.
على اية حال ، لو كنت مكان الرئيس عباس لاستمعت جيدا لنصائح الرئيس السيسي و القيادة المصرية، واذا هم لم يتطرقوا بأنفسهم لموضوع العلاقة مع دحلان تجنبا للاحراج، لو كنت مكان الرئيس عباس لطلبت بنفسي من الرئيس السيسي ان يتكفل بمتابعة هذا الملف و انهائه بالسرعة الممكنه سيما ان حله ابسط بكثير مما يتخيله اي انسان، لان مصر تعرف تفاصيل التفاصيل في هذا الملف ، ربما اكثر من الفلسطينيين انفسهم.
لن يجدي الحديث بأن دحلان انتهى، و دحلان لن يعود الى فتح، و دحلان متهم بقضايا وجرائم و لا يوجد مشكله شخصيه بيني و بين دحلان . مع الاحترام الشديد هذا الكلام يمكن ان يقال للهنود الحمر ، ولكن ليس للرئيس السيسي و القيادة المصرية.
توكل على الله يا سيادة الرئيس ، ما بقي في العمر اكثر مما مضى ، و تذكر دائما اننا جميعا سنمضي و سيبقى و الوطن .