قبل الهجمة المستعرة الاولى على الاسلام واستقصاد الاساءة للرسول صلى الله عليه وسلم من قبل متطرفون في اوروبا بهدف استفزاز المسلمين، تصدى جلالة الملك عبدالله الثاني شخصيا لهذا الارهاب الفكري والشحن غير المبرر لتوسيع الهوة بين الشرق والغرب وصولا الى مخطط صدام الحضارات.
فبعد احداث 11 ايلول عام 2001، ارتفعت وتيرة الصاق تهمة الارهاب بالاسلام، واصبح امن المشرق العربي انذاك على كف عفريت بسبب ردود الفعل الغاضبة على ذلك الحادث خاصة الادارة الامريكية التي استهدفت في عقر دارها.
هذا الحادث التاريخي، كشف عن خطر لن تكون اي دولة عربية اواسلامية بمنأى عنه، وحتى لا يذهب الوطن العربي بـ « عروة « من يمارسون الارهاب باسم الاسلام، اطلق جلالة الملك بيانه التاريخي في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك يوم التاسع من تشرين الثاني عام 2004م بيانه التاريخي الذي كانت غايته الاعلان عن الملآ حقيقة الاسلام وتنقيته مما علق به مما ليس فيه والاعمال التي تمثله وتلك التي لا تمثله.
وحتى يعطي جلالته لبيانه شرعية دينية، ابرق باسئلة ثلاثة الى 24 عالما من كبار علماء المسلمين من ذوي المكانة المرموقة في كافة انحاء العالم ويمثلون ومذاهب ومدراس فكرية في الاسلام بما فيهم « شيخ الازهر والشيخ القرضاوي وآية الله السيستاني».
وبعد ان اجاب هؤلاء العلماء على اسئلة الملك الثلاثة ( 1- من هو المسلم ؟.. 2- هل يجوز التكفير ؟.. 3- من له الحق في أن يتصدى للافتاء؟.)، دعا جلالته في تموز عام 2005 الى عقد المؤتمر الاسلامي الدولي بمشاركة 200 عالما مسلما بارزا من خمسين بلدا في العالم وتوافقوا بالاجماع على ثلاثة قضايا رئيسية، اطلق عليها محاور « رسالة عمان».
واول هذه المحاور كان « إنّ كل من يتّبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله. وأيضاً، ووفقاً لما جاء في فتوى فضيلة شيخ الأزهر، لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعريّة، ومن يمارس التصوّف الحقيقي. وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح».
اما ثاني هذه المحاور فكان إنّ ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير ممّا بينها من الاختلاف. فأصحاب المذاهب الثمانية متفقون على المبادىء الأساسيّة للإسلام. فكلّهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحداً أحداً، وبأنّ القرآن الكريم كلام الله المنزَّل، وبسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً للبشرية كافّة. وكلهم متفقون على أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت، وعلى أركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه. واختلاف العلماء من أتباع المذاهب هو اختلاف في الفروع وليس في الأصول، وهو رحمة. وقديماً قيل: إنّ اختلاف العلماء في الرأي أمرٌ جيّد.
وفي المحور الثالث الذي كان الاهم في المشروع الملكي الفكري والديني للدفاع عن الاسلام « إنّ الاعتراف بالمذاهب في الإسلام يعني الالتزام بمنهجية معينة في الفتاوى: فلا يجوز لأحد أن يتصدّى للإفتاء دون مؤهّلات شخصية معينة يحددها كل مذهب، ولا يجوز الإفتاء دون التقيّد بمنهجية المذاهب، ولا يجوز لأحد أن يدّعي الاجتهاد ويستحدث مذهباً جديداً أو يقدّم فتاوى مرفوضة تخرج المسلمين عن قواعد الشريعة وثوابتها وما استقرَّ من مذاهبها».
ومن هذه المحاور انطلق جلالة الملك عبدالله الثاني الى الغرب لسد ذلك الفراغ الذي انسل منه الساسة للهجوم على الاسلام، وهو الوصول الى المؤسسات الفكرية والتعليمية والشعبية ومحاورتهم وشرح الصورة الحقيقية للاسلام لهم.
ويوم تصدى جلالته لموجة اول اساءة الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يقل اننا كمسلمين « سنذبحكم»، بل خاطبهم بالحسنى بالتأكيد على ان الاسلام الحقيقي الذي حمله جده النبي الكريم يرفض الارهاب ويدينه وان هذا الدين جاء الى الدنيا ليرسي الاخلاق الحميدة والسلام بين المسلمين وبين كل اتباع الديانات السماوية.
وتواصل جلالته مع العالم متسلحا باجماع 200 عالم مسلم من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية الاسلامية في تبرئة الاسلام من كل من يمارس العنف والارهاب، خلق في المجتمعات الغربية اصحاب قرار يدافعون عن الاسلام ويرفضون المساس به او بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعدما كان ديننا الحنيف ترتسم له صورة مشوهة عند الغرب باغلبيته الرسمية والشعبية بسبب غياب ذلك التواصل الحضاري بين هذا القطب العالمي وبين الشرق العربي والاسلامي، واقتصار الخطاب الديني والاسلامي طوال العقود الماضية على الذات فقط.
فان تتصدى وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي للدفاع عن الاسلام فهذا بحد ذاته على ان رسالة عمان وصلت الى الغرب. وهذه الوزيرة انتشر لها تسجيل على الـ «يوتيوب» وهي تخاطب مئات المشاركين في محفل ببلادها بالقول « سأقول لكم الحقيقة.. «داعش» ليس من الاسلام وليس بدولة.. هذه الايديولوجية الحاقدة لا علاقة لها بالاسلام.. وهي مرفوضة من طرف الاغلبية العظمى من مسلمي بريطانيا ومسلمي العالم..».
ووجهت ماي كلامها للمشاركين قائلة « اذا بلغوا هذه الرسالة واخرجوها من هذه الغرفة.. المتطرفون لن ينجحوا ابدا في تفرقتنا.. فنحن الآن نعرف ان الاسلام دين سلام ولا علاقة له بأيديولوجية العدو».
اما استنكار وزير خارجية فنلندا إركي تيوميويا اثناء نقاشه مع صحافة بلاده اعتبار الاساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حرية تعبير، فكان له اصداء مدوية لانه اعتبر ذلك انتهاك ومساس بالاديان.
استحضاري لهذا التاريخ القريب للحراك الملكي في الدفاع عن الاسلام، ليس الا للتأكيد على ان الحوار ومخاطبة العقل والانفتاح على الاخر هو الطريق لقطع الطريق على كل من يحاول تفجير صراع الحضارات والعبث بالامن العالمي الذي الاردن والوطن العربي والاسلامي جزء منه.
رسالة عمان حضرت بقوة في مواجهة الارهاب وكل محاولات استفزاز مشاعر المسلمين، واتحاد مشاعر المسيحيين الاردنيين معها كان له من البلاغة التي فرضت نفسها على الجميع، بان ارض الحشد والرباط لن تكون الا انموذجا لذلك التعايش الذي تفتقده الدول العظمى قبل الصغرى في هذا العالم.