كعادتنا في الحديث عن الظواهر الإجتماعية التي تنمو وتكبر أمام أعيينا ونعلمها جيداً ونتحدث عنها ليل نهار، فهي تكون جمر تحت الرماد وفجأة يخرج لهيبها يحرق الكل، فنحن من أوقد الجمر ومن دفنه تحت الرماد، إلى ان أصبح ناراً تأكل ما تبقى منا في صمت. وهذا حال الظواهر الاجتماعية والأنماط السلوكية القديمة الجديدة وما أكثرها في مجتمعنا، و مآسينا والوضع الكارثي والانحطاط الذي نعيشه، و فجأة نكتشف خطورتها وقدرتها الهائلة على تهديد المجتمع وتدمير ما تبقى من السلم الاهلي المفقود منذ زمن.
مشغولون منذ سنوات الإنقسام في النقد لكل شيء سلبي ومعظم ما في حياتنا سلبي، الإستبداد والإقصاء والاحتكار وتغليب المصلحة الحزبية على مصلحة الناس والمجتمع، ويلازمنا الخوف والخشية والقلق من دون أي حراك ومواجهة الكارثة، والحديث عن داعش وأخواتها والتهويل بالأعداد الكبيرة، وإعطائها أكبر من حجمها، وننتظر منها أن تكبر أكثر، وننسى انها بيننا منذ زمن ليس قريب، كما ننسى من السبب ومن نحن وكأن فلسطين و قطاع غزة منبع التطرف والعنف.
أصبحنا كأي نظام سياسي عربي، نعاني ويلات الإحتلال و الإنقسام والتفرد والإقصاء والتهميش والفقر والبطالة وغياب العدل والعدالة الإجتماعية وقيم حقوق الانسان وقمع الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي والاعتقالات السياسية، وأزمة موظفي حكومة حماس وتسكينهم و رواتبهم ومستحقات وعلاوات موظفي السلطة وقطع رواتب موظفي فتح من أنصار دحلان. وإغلاق المعابر والظلم الواقع على الناس يزيد من الكراهية والحقد و التطرف والمغالاة في تبني أفكار خطيرة تهدد أمن المجتمع وسلامته. وهذا يزيد من الريبة والشك في العودة الهادئة ليس لحال الإنفلات الأمني فقط، إنما إلى ما هو أعنف وأشد فتكاً، وتذكيرنا بعدد من الحوادث والجرائم التي وقعت سابقاً، ها هي تعود مرة باستدعاء داعش وتخويف الناس منها، ومرة بأنها تحت السيطرة، وأخرى بعدم القدرة على حفظ الأمن وسقوط نظرية الأمن والأمان التي نتغنى بها منذ زمن.
تتطلب الشجاعة أن نواجه أنفسنا وحالة الإغتراب الذي تعيشها بالأمل والتصدي للكوارث و بأنه لم يعد وقت، فلحظة الحقيقة و الإنفجار الكبير قادم، وأمام حركتي فتح وحماس و الفصائل والكتاب والمثقفين والسياسيين ومنظمات المجتمع المدني مهمة وحيدة هي الخلاص من هذا الانحطاط و عدم الاكتفاء بالنقد، فالقضية ليست مرتبطة بداعش وغيرها من تلك الجماعات فقط، إنما بالتحرر من كل تلك الظواهر والأنماط السلوكية التي نصنعها ونربيها.
وهذا يستدعي عدم المعالجات الأمنية لمجمل الظواهر الإجتماعية، ومنها هذه الجماعات التي يتم بالحوار وفتح نقاش علني مع هؤلاء والمراجعات الفكرية بعيداً عن العنف، فالعنف يقابله عنف، فالشراكة والحوار والنقاش المستمر والحراك العلني وعدم الاكتفاء بالنقد، وغرس و تربية الأمل وتنمية التفاؤل في النفوس لإنهاء كل ذلك وفي مقدمتها الانقسام الكارثي، واحترام حقوق الناس و سيادة القانون هو الفيصل بين الناس.