يتمادى بنيامين نتنياهو في انتهاك كل المحرمات، حتى لو أن ذلك سيؤدي إلى تعريض إسرائيل إلى مغامرات ومخاطر، كتعبير فظ ووقح عن مدى ذاتيته، وسعيه وراء كرسي الحكم بصرف النظر عن الثمن، على نحو منهاجي، يسعى نتنياهو وراء فتح المزيد من الجبهات التي تضع إسرائيل في وضع مضطرب، قبيل موعد الانتخابات العامة التي ستجرى في السابع عشر من آذار الجاري، بهدف تحسين شعبية الليكود الذي يواجه منافسة قوية من تحالف العمل ليفني، وأيضاً من البيت اليهودي.
تصل المغامرة لدى نتنياهو إلى الحد، الذي يمكن أن يزج بإسرائيل إلى ظروف طارئة، قد تؤدي إلى تأجيل الانتخابات بذريعة أن البلاد تواجه خطراً خارجياً، في حال لم يتمكن من تعديل المزاج الشعبي لصالحه. وجود حزب الله، والحرس الثوري الإيراني في سورية، ليس جديداً ولا هو أمر غير معلوم، وغير مرئي، فضلاً عن أن منطقة القنيطرة تخضع لرقابة استخبارية متعددة الوسائل، ما يؤكد أن قرار شن العدوان الذي أدى إلى استشهاد ستة من كوادر حزب الله وجنرال إيراني، هو قرار مدروس، وعدوان مقصود.
يعرف نتنياهو أنه لن يكون قادراً على منع الأطراف التي استهدفها بعدوانه من أن تبادر إلى رد قوي، يفسد عليه مخططاته ويعرض إسرائيل إلى مخاطر جسيمة، هي رغم كل ما تملكه من أسلحة دمار شامل غير قادرة على حماية مواطنيها ومستوطنيها، وسفاراتها، ومصالحها.
لا يكتفي نتنياهو بفتح صفحة الصراع مع الفلسطينيين، وتصعيد التوتر مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو توتر ممتد، مع قطاع غزة، حيث تواصل إسرائيل انتهاكاتها الفظة لحالة التهدئة الهشة التي وقعت اثر العدوان الأخير صيف العام الماضي، فبالرغم من التصعيد ضد الفلسطينيين إلاّ أن ذلك لم يسجل له نجاحاً، طالما أنه لم يكن الوحيد الذي يبدي استعداداً لممارسة المزيد من التطرف ضد الفلسطينيين، بل إن الحرب الأخيرة على قطاع غزة، والتصعيد الفلسطيني من خلال الأمم المتحدة، ومؤسساتها، قد يكونان وفرا لمعارضيه ذخائر إضافية لتخفيض شعبيته.
بعيداً عن الخوض في معاني الانتصار والهزيمة، فلقد تعرض نتنياهو إلى انتقادات صعبة، على خلفية الاخفاقات التي وقعت خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ما دعا نتنياهو إلى تأجيل الإعلان عن نتائج لجنة التحقيق في الاخفاقات إلى ما بعد الانتخابات.
الغريب في الأمر، ويتعارض مع مبادئ وقواعد العمل السياسي، هو أن نتنياهو الذي يبادر إلى فتح الصراع، وتوسيع دائرته، وأطرافه يتعمد خلق مشكلة، وتوتر مع الإدارة الأميركية، التي لم تقصر في دعم إسرائيل وحمايتها، حتى لو أدى ذلك إلى إحراج الولايات المتحدة.
هذه الإدارة القائمة منذ ست سنوات، قدمت لإسرائيل كل الدعم والحماية، المادية والعسكرية والمالية، والسياسية، وبررت كل جرائمها، وتحديها للمجتمع الدولي والمواثيق الدولية.
يقرر نتنياهو، الذهاب إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأميركي بالتنسيق مع إدارته الجمهورية متجاوزاً الأصول الدبلوماسية ومتعمداً تحدي إدارة الرئيس باراك اوباما، الذي يفترض أن يكون العنوان الذي يتوجه إليه أي رئيس أجنبي يرغب في زيارة الولايات المتحدة.
نتنياهو ليس جاهلاً بالأعراف والأصول الدبلوماسية وهو يدرك مسبقاً طبيعة ردود الفعل السلبية التي ستصدر عن إدارة الرئيس اوباما، ويبدو أنه يستهتر بالإدارة الأميركية وقراراتها وردود فعلها المحتملة لكن الإدارة الأميركية، لا ترغب في أن تدخل في اشتباك مع الكونغرس وإسرائيل واللوبي اليهودي، الذي يتمتع بتأثير كبير على السياسة العامة ويشكل مصدراً مهماً لتمويل الانتخابات العامة في أميركا.
قبل ذلك، كان نتنياهو وحكومته، قد تدخل في الانتخابات الرئاسية السابقة، التي حملت أوباما إلى ولاية ثانية، ووقف بقوة إلى جانب المرشح الجمهوري، ويتذكر الجميع، والإدارة الأميركية قبل غيرها، كم تلقت إدارة الرئيس أوباما، ورجالاتها بما في ذلك الرئيس من إهانات شخصية وغير شخصية من قبل مسؤولين إسرائيليين بما في ذلك نتنياهو نفسه.
نفهم أن طبيعة التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تسمح بالمراهنة على التأثير سلبياً على هذا التحالف، ولكن صمت الإدارة الأميركية على ما تقوم به إسرائيل، أمر غير مفهوم، من حيث إنه ينال من هيبة الولايات المتحدة، وليس فقط من هيبة رئيسها وإدارتها. والأغرب من ذلك، أن هذه الإدارة التي تبدي ضعفاً أمام التدخلات والإهانات الإسرائيلية، تقابل كل تدخل أو إهانة، بمزيد من الدعم والمزيد من المكافآت لإسرائيل.
خلال المعركة الدبلوماسية التي تخوضها دولة فلسطين على المستوى الدولي سواء عبر مؤسسات الأمم المتحدة، أو محكمة الجنايات كان الموقف الأميركي أشد تطرفاً من الموقف الإسرائيلي، ذلك أن إسرائيل لا تستطيع إفشال المسعى الفلسطيني نحو العدالة الدولية، ولا سبيل لها سوى أن تعتمد على الدور الأميركي.
ربما لا يعطي هذا الدرس ثماره على المستوى الأميركي، ولكن هذا السلوك الإسرائيلي تجاه حليفتها وحاميتها الأساسية، بالتأكيد ستكون له آثار ونتائج سلبية على إسرائيل إزاء علاقاتها بأطراف الفعل السياسي الدولي، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، ودوله.
يخطئ نتنياهو إن راهن على أنه سيفلت من العقاب، والأرجح أنه ينتظر ردود فعل صعبة، قد تطيح بما تبقى له من رصيد في الانتخابات القادمة، وفوق ذلك تعرض مواطنيه للخطر، وإسرائيل إلى الاضطراب.
نتنياهو يخوض مثل هذه المغامرات، بدوافع شخصية أساساً، ولكنه لا يدرك أنه ليس روبن هود، ولا سوبرمان، فقد سقط شمعون بيريس في انتخابات العام 1996، بعد عدوانه على لبنان، وارتكابه مجزرة قانا.