حين أُجبرت حركة النهضة على حل حكومة علي العريض بعد تهديد قوى المعارضة المختلفة بالعصيان المدني قال راشد الغنوشي بعد تشكيل حكومة مهدي جمعة التي وصفت بحكومة الكفاءات وفي ما يشبه تبرير اذعانه لمطالب المعارضة او قل خسارته جولة حاسمة امامها «ان النهضة خرجت من الحكومة لكنها لم تخرج من الحكم».. ثم تلاحقت الاحداث وازدادت وقائع الايام التونسية سخونة، فبدت النهضة وكأنها أمام اختبار حقيقي لشعبيتها، بعد ان استعاد « نداء تونس « زخم تحركه، واخذت القوى السياسية والقومية المنضوية تحت راية الجبهة الشعبية، موقعها المؤثر في المشهد التونسي، الى ان جاء الاستحقاق الاخطر والاكثر تعبيرا عن موازين القوى ومعرفة اوزان وحجوم الذين تدثروا بعبارة ثورة جانفي (يناير او كانون الثاني) فكان ان تراجعت النهضة حدود الهزيمة السياسية وليس المعنوية فحسب, رغم حلولها في المركز الثاني بعد حزب نداء تونس (86 مقعدا للاخير و69 للنهضة) وكانت رساله التوانسة واضحة لا لبس ولا غموض.. ولم تغير معركة الرئاسة شيئا من الاوزان والحجوم رغم انحياز النهضة للدمية التي كانت جاءت به رئيسا في الفترة الانتقالية وهو المنصف المرزوقي، رغم ادعائها الحياد وعدم دعم اي من المرشحين ولم يكم فوز الباجي قايد السبسي، سوى تحصيل حاصل للتغير الذي طرأ على المناخ السياسي التونسي والذي خسرت فيه النهضة وقادتها مصداقيتها, نظرا لمراوغتها وتلاعبها وانعدام صدقيتها ورغبتها في ارباك المشهد التونسي الذي استجد بعد اجبارها على سحب حكومة العريض وتشكيل حكومة كفاءات تقوم بالاشراف على الانتخابات..
الآن وقد اعلن الحبيب الصيد(وهو كما الرئيس التونسي السبسي, من رجالات بورقيبة وبن علي ايضا) حكومته الجديدة، فان حزب نداء تونس، يبدو انه استأثر بالحقائب الوزارية واجبر «النهضة» على الجلوس في مقاعد المعارضة، ولكن هذه المرة بعد ان استكملت تونس اخر خطوات الانتقال الديمقراطي بانتخاب البرلمان الجديد ورئيس جمهورية «دائم» (بمعنى لولاية اولى محددة المدة وفق الدستور الجديد الذي تم اقراره) ثم رئيس الجمهورية ولاحقا الحكومة، التي يبدو انها من لون واحد، وهو ما يتعارض او يتناقض مع ما دأب الرئيس السبسي على تكراره، وهو ان نداء تونس لن يتأثر بالسلطة وسيسعى الى قيام حكومة ائتلافية...
حكومة الصيد ليست ائتلافية,فهي لا تضم اي حزب معارض(مؤثر) كالنهضة (69 مقعدا) او الجبهة الشعبية (16 مقعدا) ولا حتى من هو حليف لها مثل حزب افاق تونس (8 مقاعد) وهناك من يقول ان خلافا داخل «نداء تونس»، قد نشأ بعد معرفة اسماء الفريق الوزاري الجديد، الذي يثير مخاوف جدية بشأن الاستقرار السياسي في تونس وقدرة حكومة الصيد على الاستمرار لمدة طويلة او حتى متوسطة, بسبب ضعفها منذ البداية (بافتراض حصولها على ثقة مجلس النواب) حيث اعلنت «النهضة» انها لن تمنح حكومة الصيد الثقة، كذلك المحت الجبهة الشعبية، رغم ان الاخيرة لم تمض قدما في انتقاد حكومة الصيد على الشكل اللاذع والغاضب الذي فعلته النهضة عندما وصفها القيادي في النهضة الصبحي عتيق بانهاحكومة جاءت مخالفة التوقعات، ولم تكن حكومة وحدة وطنية بل هي حكومة لا تمثل كل الاطياف السياسية في البلاد وهي قطعت مع «نهج التوافق» الذي سارت فيه تونس في الاونة الاخيرة..
النهضة اذا خرجت من الحكومة والحكم, وها هي تجلس في مقاعد المعارضة ولم يكن يخطر ببال قيادتها وكوادرها ان الامور ستنتهي بهذا الشكل عندما «توافقت» مع نداء تونس على اقتسام رئاسة مجلس النواب تذهب الرئاسة الى «النداء» فيما تحظى هي بمقاعد نائب الرئيس، ويبدو ان اعلان حكومة الصيد قد انهى هذا التوافق «العابر»، والذي جاء اصلا قبل انتخابات الرئاسة..
هل تتقن تيارات الاسلام السياسي وعلى رأسها النهضة بما هي الذراع التونسي لجماعة الإخوان المسلمين, قواعد اللعبة الديمقراطية؟ وهل تقبل الجلوس في مقاعد المعارضة بالتعارض مع غرورها وغطرستها التي تقول انها في الصدارة دائما وانها صاحبة الشعبية الاكبر والاعرض؟
.. الايام ستروي