من الطبيعي أن يشعر أهل الطيار معاذ بالخوف على ابنهم من أي تهديد يصدر عن التنظيم الخاطف وهو خوف نشعر به جميعاً، ومن الطبيعي أن تصدر مطالبات بحق الحكومة بأن تحافظ على حياة معاذ وأن تمنع تنفيذ أي تهديد إذا كان هذا ممكناً، فهذا واجب الدولة، لكننا في نفس الوقت علينا أن نثق بأن الدولة وعلى رأسها جلالة الملك تُمارس سراً وعلناً كل ما تستطيع لإنقاذ الطيار معاذ.
لسنا في خندقين أحدهما حريص على إنقاذ معاذ وآخر مهمل غير مبال ، وليس من الانصاف لانفسنا ان نرسم صورة في اذهان اي طرف في الداخل والخارج بأننا في خندقين ونحمل موقفين والامر غير ذلك ، والاختلاف بين موقف الرأي العام والموقف الرسمي في طريق التعبير مفهوم، فالدولة تعمل لتحقيق الهدف، وهذا قد يستوجب بعض الصمت احيانا، لكن المهم ان لا نرسم مشهدا بأننا في مسارين متناقضين ، فمنطق الوطنية والمصلحة العامة والذاتية للجميع يفرض ان نغلق كل باب يأتي بالضرر على الطيار معاذ.
حرارة العاطفة من الرأي العام مفهومة ومتوقعة في مثل هذه المحطات الصعبة وبخاصة عندما يكون الطرف الآخر هو التنظيم المتطرف الذي يمارس القتل دون حساب، لكن من الضروري ان لا نفترض ان الدولة ستتعامل باهمال وتجاهل ، او ستسمح بأي ضرر ليمس معاذ ما دامت تملك منعه.
ربما كان على الجهات الرسمية ان تعيد التأكيد على موقفها لأهل معاذ ، وان الدولة مستعدة لأي امر يحفظ حياته ويعيده الى أهله وكان هذا ضروريا مباشرة بعد صدور التهديد الارهابي، لأن هذا كان سيخفف الخوف والقلق ، لكن تبقى الحقيقة التي يجب ان لا ينساها احد اننا لسنا معسكرين وفريقين ، ولسنا بحاجة لتحويل الامر الى قضية داخلية بيننا يستفيد منها الاخرون وعلى رأسهم التنظيم الارهابي ، وهذا ما كان واضحا في الموقف الرسمي الذي صدر امس بأن الاردن مستعد لاطلاق سراح ساجدة مقابل اطلاق سراح معاذ.
ونتذكر جميعا الحديث الجميل والمسؤول لعائلة معاذ في بداية القضية بأن ابنهم طيار مقاتل وجندي يخدم وطنه ويدافع عنه، وهذه المكانة هي التي جعلته ابنا لكل الاردنيين وقضيته قضية كل بيت أردني ، وحقه على الدولة ان تبذل كل ما تستطيع لانقاذه ، لكن هذا التنظيم لا يتعامل وفق الاصول وربما لا يعرف كيف ينظم عمليات التبادل والصفقات رغم ان مصلحته المباشرة اعادته للاردن مقابل مكاسب، فقتل الرهائن لم يعد محل متابعة من العالم فالتنظيم يقتل لأي سبب ودون سبب.
ثقتنا بأنفسنا جميعا ، وثقتنا بأن قضية معاذ قضية كل أردني تجعلنا قادرين على تجاوز عمليات الاستفزاز والابتزاز ، فنحن في خندق واحد غايته الحفاظ على حياة معاذ وانقاذه ولسنا في خندقين، واذا كان الخاطفون يريدون عملية تبادل فالدولة جاهزة.