لعل أهم الأهداف التي سعت إسرائيل من ورائها لاعتماد الردع كمرتكز أساسي لأمنها القومي هو منع المبادرة الى الحرب من قبل أية جهة عربية معادية, وفضلت إسرائيلممارسة سياسة الردع تجاه الدول العربية والفصائل الفلسطينيةوالمقاومة اللبنانية) حزب الله)كبديل عن سياسة الحرب بمفهومها الشامل, لهذا تقرر أن تكون المهمة الأساسية للجيش الإسرائيلي هي ردع العرب عن المبادرة بالحرب أو القيام بأعمال عدائية ضد إسرائيل,
ولكن مع قيام اسرائيل بالمبادرةباغتيال المجموعةالنوعية المقاتلة من حزب الله والقائد الايراني في القنيطرة السورية, والتي كانت لضمان تحقيقعدة أهداف عسكرية وسياسية أبرزها تعزيز الردع وايصال رسائل إقليمية ودولية, لإيران ولحزب الله تحديدا بأن هناك خطوط حمراءاسرائيلية يمنع تجاوزها, وهي أنتواجدهوقتاله على الارض السورية لا يعنيبحال من الأحوالقبول اسرائيلب السماح بنفوذ جديد لحزب الله وايران على الحدود السوريةوالاقتراب والعبث بحدودها الأمنية في الشمال,
عدا عن الأهداف الانتخابية لنتنياهو والتي كانت وراء سرعة اتخاذ القرار بتنفيذ العملية, لاعتقادالاخير بصعوبةقدرة حزب اللهالمنهمك بالقتال في سوريا على الردبشكل نوعي ومؤلم لإسرائيل.ويبدو جلياً وبعيون غير مغمورة بغبار الحروب ومآسيها تبلور قاعدة جديدةمن الحروب الاخيرةلإسرائيل, مفادها أن بإمكان اسرائيل اختيار وقت الحرببينما لم تستطيع تحديد مجال هذه الحرب ونطاقها ومدتها بمفردها,
وإذا لم ترد إسرائيل على تدمير الجيب العسكري الاسرائيلي وقتل جنودها في شبعا لن تكون هناك مصداقية لردعهاوهو الأمر الذي باتت عاجزة عن تحقيقه من حروبها الاخيرة, ولن يتم تفسيره الا ضمن سياق واحدفقط هو)أفول الردع الاسرائيلي),فقد كان الهدف الرئيسي للحرب على لبنان عام 2006مهو إعادة الاعتبار لمصداقية الردع, بالقضاء على البنية العسكرية والتحتية لحزب الله, وفرض منطقة عازلة خالية من نفوذ الحزب وسيطرته في الجنوب اللبناني, ولم يتحقق شيئاً من ذلك. ولامتلاكها الجهوزية العالية من مقاتلين وأدوات عسكرية (صواريخ) بإمكانها تهديد شمال إسرائيل, وأيضاً لوجود السند والداعم الاقليمي لها من قبل دول كإيران وسوريا, فالحزب مرتبط عقائدياً بطهران ومتحالف سياسياً مع سوريا
ولطالما اكدت اسرائيل على مصداقية ردعها عبر تنفيذ التهديد بالعقاب والذي كان يتجلى بسياسة الحسم العسكري باحتلال الاراضي وتضييق الخناق على الخصم حتى يطلب وقف النار والموافقة على الشروط الاسرائيلية, ولكن يبدو أن تلك الحقبة الزمنية ولت بغير رجعة أمام من امتلك ارادة القتال والقوة العقائديةالمقاتلةالمؤمنة بقضيتها الدينية والوطنية.فإسرائيل بكل قوتها العسكرية والنووية باتت غير قادرة على اخضاعارادة القتال لحزب الله,
وأصبح الوقت الذي تغامر به اسرائيلبعملية عسكرية ذات طابع نوعي ومحدود ضد حزب الله وحركات المقاومة لأهداف ردعية أو حزبية انتخابية محفوف بالكثير من المخاطرالأمنية الاسرائيلية,وأصبحت سياسة التلويح بالعصا تغني عن ضربها هي السائدة في المرحلة الراهنة, لتكلفتها الأقل ومخاطرها الأدنى ومنفعتها الأضمن والأشمل,
فإسرائيل لن تقدم على توسيع رقعة ردها العسكري على عملية حزب الله النوعية في مزارع شبعا, وسيكتفي نتنياهو بإنجازاته بعملية القنيطرة وحرب غزة ويلوح بها منتصرا أمام جمهور ناخبيه,متجاهلاأفول الردع الاسرائيلي وبدايات سقوط الاستراتيجية التي بنتها اسرائيل وعملت على ترسيخها عبر عقود خلت وطيلة حروبها السابقة,والتي قامت على أنه لايمكن أن تردع شخص بدون أن تريه قوتك, واستبدالها بسياسة أكثر سلمية وأقل ضررا وهي سياسة التلويح بالعصا يغني عن ضربها عبر عمليات عسكرية صغيرة ومحدودة النتائج متزامنة مع التهديد بالحرب الشاملة,
إن قيام حركات المقاومة بتنفيذ عمليات عسكرية ناجحة فيأية مجابهة معاسرائيل هو فقط الذي يمكن أنيضعف قدرة الردع الإسرائيلية,ويوهن من عزيمة قادتها على شن حرب أوحتى القيام بعمليات عسكرية مضادة أخرى, ويثبت بالتالي حالة جديدة تشكل سقوط ما اصطلح على تسميته إسرائيليا بسلام الردع أو سلام القوة.