منذ عشر سنوات بالتمام و الكمال و بالتحديد في الخامس عشر من شهر يناير عام ٢٠٠٥ تم انتخاب الرئيس عباس رئيسا للسلطه الوطنية الفلسطينية بعد حصوله على ثقة الشعب الفلسطيني في الضفه و غزة و القدس وفق برنامج انتخابي محدد تم منحه الثقه على اساسه. و على الرغم ان انتخابه و منحه هذه الثقه محددة بسقف زمني و ليست ثقه ممنحوه الى ابد الابدين وذلك وفقا للقانون الاساسي وهي لمدة اربع سنوات فقط ، بعدها يحق له ان يرشح نفسه مرة اخرى و يحق للشعب ان يفوضه او يسحب التفويض منه اذا اراد، على الرغم من ذلك، ما زال الرئيس يجلس على كرسي الرئاسة منذ عشر سنوات دون ان يتم تحديد سقف زمني اخر لذلك.
عدم اجراء الانتخابات و تجديد الثقه بالرئيس عباس من عدمها يخضع لتفسيرات كثيره. هناك مواقف و اراء تبرر او لا تبرر عدم اجراء هذه الانتخابات بكل ما يعني من تعطيل و شلل لعمل المجلس التشريعي الذي هو نفسه ايضا يحتاج الى تجديد الثقة حيث سقفه الزمني هو ايضا اربع سنوات. ليس هذا هو المهم في هذا المقال ، المهم و بعد عشر سنوات من حكم الرئيس عباس و ادارته لهذه السلطه ما الذي استطاع ان يحققه مما وعد الشعب الفلسطيني بتحقيقه من خلال برنامجه الانتخابي ؟
سأترك جانبا مناصب الرئيس الاخرى و اداءة في كل واحد منها ، خاصة منصبه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ليس فقط لم يحدث فيها اي تغيير في عهده، بل اصبحت اسوء بكثير مما كانت عليه. و سأترك جانبا منصبه التنظيمي كرئيس لحركة فتح، لان هذا المنصب هو منصب حزبي حتى و ان كان يتعلق بحركة فتح بصفتها العمود الفقري للسلطة الفلسطينيىة و للمنظمة، و بالتالي سأضع جانبا كل ما يتعلق بالخلافات التنظيمية و اوضاع حركة فتح بما في ذلك مشكلة الرئيس مع دحلان على الرغم من تأثيرها المباشر على المشهد الفلسطيني العام و اجزم انها تأخذ حيز كبير من تفكيره و طاقته .
قبل انتخابه كرئيسا للسلطه، تم تقديم الرئيس عباس على انه الشخص الذي يملك القدر الكافي من النزاهه و الشفافية ، و يؤمن بالفصل بين السلطات و تفعيل المؤسسات، وانه واضح وضوح الشمس في موقفه السياسي تجاه عملية المفاوضات مع اسرائيل و يؤمن الى حد النخاع بأمكانية التوصل الى اتفاق سلام. تم تقديم الرئيس عباس على انه الشخص القادر على التعامل بحكمة و ذكاء مع المجتمع الدولي و خاصه الامريكي، و القدرة على تطويعه لتغيير مواقف هذه القوى الدولية لصالح القضية الفلسطينية. تم تقديمه للجمهور الفلسطيني على انه يؤمن بالفصل بين حركة فتح و المنظمة و السلطة ، و لذلك كانت له انتقادات كثيره في السابق لما كان يسمى اجتماع القيادة الذي اعتمده الرئيس الراحل ابو عمار. اجتماع القيادة الذي كان يضم كل يوم اسماء و مسميات جديده بهدف التهرب من اجراء نقاشات جديه في القضايا الجوهريه و كان يهدف الى الخلط بين قيادة المنظمه و قيادة السلطة و قيادة حركة فتح. الرئيس عباس قدم نفسه على انه شيء مختلف تماما عن كل هذه الفوضى المقصوده.
و لانني لست من اصحاب نظرية المؤامره و ليس من اصحاب كيل الاتهامات لمن لا احب او اختلف معه، و لانني احترم عقلي و عقل القراء الذين يتفضلون و يخصصوا جزء من وقتهم لقراءة ما اكتب، لذلك سأترك ايضا جانبا كل اللغط الذي حدث في الفترة ما بين انهيار عملية السلام في كامب ديفيد ٢٠٠٠ و ما تبعها من احداث و تطورات انتهت بحصار و من ثم استشهاد الرئيس عرفات و التي تبعها انتخاب الرئيس عباس خلفا له. بشكل مقصود سيتم تجاهل كل هذه الحقبه الزمنية رغم اهميتها، على الرغم انني استطيع ان ادعي ان معظم تفاصيلها المهمه و اضحه بما فيه الكفايه بالنسبة لي.
ما يهم هنا هو القاء الضوء على برنامج الرئيس عباس الذي وعد الناس بتحقيه، و لن يتم التركيز على كل البرنامج الانتخابي لكي لا اطيل على القارئ العزيز و لكن سيتم التركيز على بعض النقاط التي وعد الرئيس عباس على تحقيقها و الالتزام لها ، و لكم انتم ان تقرروا مدى التزامه بهذه النقاط او هذا البرنامج.
جاء في البند الثاني من برنامج الرئيس الانتخابي " تعزيز الوحدة الوطنية و تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ان تمتين اواصر الوحدة الوطنية لشعبنا و قواه و فصائله و تياراته هو الضمانه الاكيدة لمواجهة التحديات، لذلك سنستمر بعزم و تصميم على التوصل الى قواسم مشتركة لبرنامج عمل وطني يجند كل الطاقات خدمة لاهداف نضالنا. و يرتبط بهذه المهمة تطوير الدور القائد لمنظمة التحرير...... و سنعمل بلا كلل من اجل مشاركة جميع القوى و الفصائل و التيارات في صياغة قرارنا الوطني ضمن اطر منظمة التحرير و السلطة الوطنية الفلسطينية."
كلام جميل، ما الذي تم تحقيقة من كل ذلك خلال العشر سنوات من حكم الرئيس عباس. لا احد يقول لي الظروف و حماس و الانقسام و الاحتلال و المؤامرات الداخلية و الخارجية. في نهاية العشر سنوات ليس فقط لم يتحقق هذا البند من برنامج الرئيس بل ظروف الشعب الفلسطيني اصبحت تثير شفقة العدو قبل الصديق، و منظمة التحرير لم يتم تجديد الدماء في عروقها و لم يتم تفعيل اطرها فححسب ، بل تحولت بفعل فاعل الى غطاء وهمي او جسد هش عاجز و بلا روح.
اما فيما يتعلق بالوعد بتحقيق الوحدة الوطنية فأن الانقسام و تبعاته و فشل كل اتفاقات المصالحه و الفصل بين غزة و الضفة و ما تعانية غزة من تجويع و حصار و دمار، و ما تعانيه الضفة من استيطان و القدس من تهويد ، و ان كان الرئيس عباس غير مسؤول عن ذلك و لا يمتلك القدرات الخارقه لمواجهة كل ذلك و لكن ما سيسجله التاريخ ان كل هذا حدث في خلال العشر سنوات العجاف من حكم الرئيس عباس.
اما في البند التاسع من برنامج الرئيس عباس الذي تم منحه الثقة على اساسه يتعلق بالتعهد ببناء دولة القانون و المؤسسات و المساوة و التسامح، حيث تعهد : " ... اننا نؤمن ان اعتماد خيار الانتخابات و الخيار الديموقراطي يوفر القاعدة و الضمانة للتداول السلمي للسلطة و تكريس التعددية السياسية و ضمان الحريات الاساسية و في مقدمتها حرية التعبير و حرية العمل السياسي و تشكيل الاحزاب ، و لبناء المؤسسات، و الفصل بين السلطات. و في هذا الاطار سنعمل بحسم و بسرعة لتعزيز سيادة القانون و حماية استقلال القضاء و منع التدخل في شؤونه.... "
في كل ما يتعلق بهذا التعهد الذي حدث هو العكس تماما، حيث لم يتم الفصل بين السلطات ، بل بشكل تدريجي اصبح الرئيس عباس هو من الناحية العملية الشخص الوحيد في الشعب الفلسطيني الذي يمسك بيده كل اركان السلطة، بما في ذلك القضاء. و من خلال احتلاله لكل المواقع المهمة كرئيس للسلطة و المنظمة و حركة فتح و قوى الامن و رئيس دولة فلسطين لم يبقي من النزاهه و الشفافية و الفصل بين السلطات سوى الاسم او الوهم.
و الاهم من كل ذلك ، وربما اكثر ما يعانيه النظام السياسي الفلسطيني خلال حكم الرئيس عباس الغير معروفه نهايته حتى الان هو تعطيل عمل المجلس التشريعي و تعطيل اجراء الانتخابات الرئاسية و التشريعية و استفراده في ستصدار القوانين التي تعطيه المزيد من الصلاحيات و مزيد من السيطرة على كل مفاصل السلطة. خلال العشر سنوات فقد الشعب الفلسطيني اهم حق من حقوقه هو اجراء الانتخابات في موعدها الذي تم تجاوزه منذ ستة اعوام.
اما فيما يتعلق بالحريات الشخصية في عهد الرئيس عباس فأن تجربتي الشخصية قد تشكل دليل على المستوى المتدني لهذه الحريات، حيث و قبل خمسة عشر شهرا تم اطلاق النار على سيارتي في رام الله، اجزم ان السبب هو ما اقوله و ما اكتبه و ليس اي سبب اخر. حتى الان التحقيق مستمر للبحث عن الجناة و اجزم ايضا انه لن يتم القبض عليهم. و كذلك لن يتم القبض على من اطلق النار على سيارة النائب ماجد ابو شماله او النائب خريشه و اخرين.
اما البند العاشر الذي تعهد الرئيس عباس في تطبيقة يتعلق بمواصلة مسيرة الاصلاح في مختلف المجالات، و تعهد الرئيس: "
سنعمل بكل جهد لمواصلة ورشة الاصلاح الشامل التي اطلقها و اكد عليها و حدد مهماتها الرئيس الخالد في خطابه الاخير للقضاء على اية مظاهر للفساد و استغلال المنصب و النفوذ. و لتطوير اداء الجهاز الحكومي وفعاليته، و لتكريس اسس الشفافية و النزاهة و المحاسبة ، و لفتح الابواب امام الطاقات الشابه و الكفاءات و ضمان حقوق الموظفين. "
سأترك للقارئ الكريم ان يقرر مدى تطبيق هذا البند خلال العشر سنوات من حكم الرئيس ، فقط نموذج واحد دائما يستحضرني عندما اسمع الرئيس يتحدث عن الشفافية و النزاهة و سيادة القانون و عدم التدخل في القضاء، وهو نموذج (غازي الجبالي). اعتقد هذا النموذج في المستقبل الغير بعيد سيتم تدريسه في كليات الحكم و السياسة و كليات القانون. و لتذكير القارئ العزيز ، غازي الجبالي الذي كان مديرا للشرطة الفلسطينية ، غادر الوطن و تم اتهامه بأختلاس مبلغ ثلاثين مليون دولار و تم تقديم طلب للانتربول بتسليمه للسلطة قبل محاكمته، و لكن و دون توضيح للمواطن الفلسطيني و دون مراجعة الجهات القضائية او اعارتها اي احترام، تم الغفران عن غازي الجبالي بل و تكريمه فيما بعد. غير معروف لماذا تم الغاء طلب تسليمه للانتربول و غير معروف المبلغ الذي دفعه لتسوية و ضعه. الرئيس قرر ، انتهى الامر. النماذج كثيره لا مجال لحصرها في عهد شبكات التواصل و الانترنت لم يعد هناك مجال لتحكم الاعلام الحكومي الموجه و الانتقائي في نشر الحقائق و الوثائق. اما حول احترام الموظفين و صون حقوقهم فأن ما حدث خلال السنوات الماضية ، وخاصة في الاسابيع الماضية من قطع لرواتب موظفين بتهمة غير معروفه في القانون الفلسطيني و هي مناهضة السياسة العامة للدولة، و دون محاكمة عادلة او اي اجراء قانوني لهو دليل على التدهور الخطير الذي يحدث في عهد الرئيس عباس.
سيادة الرئيس، لم اكن اتوقع منك ان تعيد اللاجئين او تحرر القدس او توقف الاستيطان او تقيم دولة على حدود ٦٧. اعرف ان هذا يتعلق بعوامل كثيرة تتجاوز موضوع الاداء و تتجاوز قدراتك و ربما قدرات اي رئيس اخر. لكنك سيادة الرئيس فشلت من وجهة نظري في تحقيق برنامجك الانتخابي الذي انتخبك الشعب الفلسطيني من اجل تحقيقة. فشلت في الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني كما تعهدت لنا، و فشلت في تغعيل مؤسسات منظمة التحرير الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني، و فشلت في الحفاظ على مبدأ التدوال السلمي للانتخابات في موعدها ، و فشلت بما تعهدت به في الفصل بين السلطات و الحفاظ على حرية التعبير و صون الحريات العامة و الخاصة. حيث لهذا السبب انتخبتك و انتخبك الكثيريين مثلي.
لذلك فانني لا اخفي عليك صدمتي و خيبة املي من اداءك على الصعيد الداخلي، و لا اخفي عليك انني انتظر اليوم لكي اصحح الخطاء الذي ارتكبته بحق نفسي بانني منحتك ثقتي من خلال اعطاءك صوتي و اقناع اخرين بصدق مواقفك التي اتضح لي فيما بعد انني كنت على خطاء. لذلك فانني انتظر اليوم الذي سيتم فيها اجراء الانتخابات الرئاسية و التشريعية لكي اصحح هذا الخطاء.