أخر الأخبار
أم الشهيد والوحدة التي تجلت
أم الشهيد والوحدة التي تجلت

الشهيد النقيب الطيار معاذ الكساسبة الذي ارتقى للسماء بموقف بطولي أسطوري، ترك الكثير من الآثار على تماسك المجتمع وبناء الجبهة الداخلية، فأظهر الأردنيون أنهم أشدّ صلابة وتماسكاً، وتوافدوا لبيت العزاء في بلدة»عي»مسقط رأس الشهيد من كل حدب وصوب، وتحولت المدينة الواقعة في منطقة وعرة نائية إلى مركزية تاريخية، بعدما كانت كأي قرية أو لواء على الحافة.
الجنود في شهادتهم وحدهم الذين يُسعى إليهم هذا المسعى، هم من يعيدون بناء الاجماع الوطني والروح القتالية ويؤسسون للحظة تاريخية جديدة، وحتى أمس كانت البيانات والكلمات والمقالات تصدر من الجميع مذكرة ببطولة الشهيد البطل.
اما اللافت أول أمس الجمعة فكان في المقابلة التي اجريت مع والدة الشهيد وزوجته، الوالدة التي بدت ثكلى موجعة بمصابها، كانت في الحديث والموقف والتعبير أصلب مما نتوقع، فابدت فخرها واعتزازها بابنها الشهيد، احتسبته عند الله ودعت له بأن يرتقي في مصاف الصديقين والابرار، وراحت تعزز معنويات الشعب الأردني وكأنها قائد معركة يخطب في جنوده.
نعم كانت أماً عظيمة انجبت شهيداً عظيماً. ولذلك، اشارت بأنها ترفع رأسها به وتعتز به وتحتسبه عند الله بين الشهداء، ولأن الواقعة لم تكن سهلة عليها كأي أم فإنها أشارت في ختام حديثها لقناة رؤيا أن الألم والحسرة لن يفارقاها حتى تلقاه عند الله.
أم فاضت بمشاعرها وهي تشكر الله، استجمعت حزنها وألمها، واظهرت أنها تعتز بابنها الذي حلق في سماء الوطن وأبى أن يكون من المرجفين، نعم قدمت أم الشهيد أول أمس درساً للأمهات الصابرات المحتسبات، ومن يسمع كلامها يدرك أن أمهاتنا اعتدن الفقد واعتدن أن يحلق الأبناء كالصقور،  وأن يواجهوا الموت برجولة وكبرياء، وهكذا رسمت لنا الوالدة العزيزة للطيار الشهيد، صورة جديدة في معاني الكبرياء والصمود والتفوق على الحزن، بالإضافة لما قدمه والد الشهيد الاستاذ صافي الكساسبة، وزوجته انوار الطروانه من مواقف الفخر والعزة بالشهيد الطيار.
والدة الشهيد استطاعت أن تكون الأقوى بين السيدات في الأيام الماضية، واستطاعت أن ترتقي بشعورنا الجمعي كأم بطل، لن يفارق مخيلتنا ولا ذاكرتنا، التي صنع لها الطيار الشهيد فصلا جديدا في فصول الكبرياء والشهادة الوطنية.
الشهيد الطيار معاذ الكساسبة رحمه الله ترك جرحاً كبيراً ورائه، لكن الموقف الوطني والوحدة الوطنية الصلبة التي ظهرت في الايام الماضية كانت كفيلة بتخفيف الألم، وكان التصرف الملكي والثأر الذي حققه نسور سلاح الجوي كفيلاً بتخفيف الألم وألهب الحماس الشعبي للتوحد من جديد أمام التحدي الكبير والوقوف مع الوطن.
صحيح أن الوطن الذي التقى كل أطيافه في بلدة عي عاش طقس الشهادة الموحدة للجميع، لكن الوطن يحتاج في مرحلة تالية لجهود كبيرة في مواجهة التطرف والقضاء على المتشددين الذين يعيشون بيننا، والعلاج لا يكون بدون دراسة الاسباب والحلول الطويلة الأمد التي تفوت الفرصة على دعاة التطرف.