شبه جزيرة سيناء منطقة استراتيجية، ووضعت دائما تحت متابعة أمنية حثيثة منذ التسعينيات التي شهدت صعود مدينة شرم الشيخ لتصبح مقرا مفضلا للرئيس السابق حسني مبارك، أو عاصمة الظل، وبالتوازي مع ذلك، كانت القبائل البدوية في سيناء تعيش علاقة متوترة مع النظام في مصر، وتطلب ذلك بعضا من إغضاء الطرف عن زراعة المخدرات وترويجها بوصفها أحد مصادر العيش في منطقة أهملت تنمويا، وكانت المفارقة، أن السيناويين يتعاملون مع مصر من نافذة شرم الشيخ ومرادفاتها، فيرون الوجه الاستفزازي الذي يزيد من غضبهم المبني على شعورهم بالظلم والإهمال.
هذه الوضعية لا تبرر كيفية تضخم تنظيم بيت المقدس في سيناء، وقدرته على تنفيذ عمليات نوعية مؤلمة ضد الجيش المصري ومعسكراته، واعتداءاته المتكررة بصورة أصبحت روتينية على خطوط الغاز المصري، وخاصة التي تتوجه إلى الأردن، والواقع، أن سيناء هي نموذج للبرهنة على أن الجماعات الإرهابية تعتمد على موارد كبيرة ودائمة لإدارة عملياتها، شبيهة بالجيوش، فالمسألة هي وجود على نمط المليشيا، أرقى وأكثر تنظيما من الخلية الإرهابية التي تعمل في المدن الكبيرة وتستغل المناطق العشوائية للاختباء والحركة، ولكن المليشيا، هشة وضعيفة بالمقارنة مع أي خلية إرهابية تقليدية لأنها ببساطة بحاجة دائمة للتغذية المتواصلة بالمال والسلاح والمستلزمات الأخرى.
ضرب الإرهاب في سيناء لا يبدأ من العريش أو رفح، أو حتى القاهرة، فتطويق الوحوش الصغيرة التي وجدت البيئة الخصبة في هوامش الربيع العربي يتطلب مواجهة واسعة النطاق، يجعل الأهداف الاستراتيجية للخصوم غير المرئيين بعيدة وغير قابلة للتحقق، وبالتالي، يجعل أي استثمار في ضرب وحدة وتماسك أي دولة عربية فاقدا للجدوى.
البعض يرى أن المرحلة ناضجة لتستقبل إعادة تقسيم المنطقة على النحو الذي جرى في صفقة سايكس - بيكو، وعلى الرغم من جميع ما يمكن قوله عن واقع المنطقة، إلا أن هذا الواقع يعكس حدا أدنى من التجانس الاجتماعي قائم على خبرات استعمارية قديمة عاشت في المنطقة لعقود، وكانت تشكل دولا لا يمكنها أن تزدهر ومن المستبعد أن تندثر في المقابل، وهواة لعبة (البازل) الجدد لا يملكون أي خبرة أو رؤية، فقط يريدون السطو ولو على بضعة أميال مربعة من أجل إقامة منصات لوجودهم، وإضعاف المنطقة بحيث تصبح مجرد حدائق خلفية لطموحات إقليمية.
بعد انطلاق الأردن في حملته على تنظيم داعش الإجرامي، ومساندة المصريين للأردن في جهوده لتطهير المنطقة من الإرهاب، فإن التركيز على سيناء يجب أن يكون أحد الركائز الاستراتيجية ليضمن الأردن أن تأمينه لحدوده الشمالية يترافق مع محاصرة شاملة لإمكانيات الجماعات الإرهابية في سيناء على التمدد من الجنوب، خاصة بعد أن أعلنت هذه التنظيمات ولاءها لداعش وأصبحت تطلق ولاية سيناء على مجال أنشطتها.
دعم مصر في مواجهتها ضد الأعمال الإرهابية يتطلب الشراكة في العمل الدبلوماسي والتقدم لإزاحة عمليات التشويش الممنهج لخلط الأوراق أمام المصريين، وهم في ذلك يتحملون ما تمكن الأردن من تجنبه نتيجة تناسق جهوده الدبلوماسية وحالة الإجماع الدولي على حقه في الرد والعمل المتقدم لتجنب مخاطر تمدد داعش تجاه حدوده.
مصر كانت العمق الاستراتيجي للأردن حتى في ذروة التراشق أثناء الخمسينيات والستينيات وفترة المقاطعة العربية لمصر، وستبقى مصر كذلك، وبالمقابل، فالأردن اليوم هو مدخل مصر الاستراتيجي والمستمر في مشرق عربي يفيض بالتحولات والمفاجآت.