تقترب الانتخابات الإسرائيلية من موعدها المقرر في السابع عشر من الشهر المقبل، وسط احتدام المنافسة الانتخابية بين حزب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "الليكود" والجماعات اليمينية المتطرفة من جهة، والأحزاب اليسارية وفي مقدمتها حزب "العمل" و"الحركة" الوسطي بقيادة تسيبي ليفني من جهة أخرى.
نتنياهو الذي أغراه المنصب الحكومي، يعمل بكل قوة من أجل البقاء لفترة أخرى في موقع رئاسة الوزراء، وينطلق في معركته الانتخابية من رصيد وخطاب يرفض مبدأ السلام والتعايش المشترك على قاعدة الاعتراف بدولة فلسطينية مستقرة على حدود العام 1967.
بعد أن تمكن بالفعل من إلحاق الضرر بمسار المفاوضات الذي توسطته الولايات المتحدة الأميركية، استطاع نتنياهو إغلاق الباب تماماً على عملية التسوية مع الطرف الفلسطيني، وفي حين أحرج وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالإعلان عن مشاريع وحدات استيطانية وسكنية تزامنت مع مجيء الرجل إلى المنطقة، فها هو يحرج الرئيس بارك أوباما بخطاب يلقيه في الكونغرس الشهر المقبل.
كل ما يريده نتنياهو هو الفوز في الانتخابات المقبلة بأي شكل من الأشكال، فعلى صعيد الصراع مع الفلسطينيين، يعتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه حقق نتائج جيدة تتصل بتجميد التفاهمات التي لحقت عدوانه البشع على قطاع غزة في شهري تموز وآب الماضيين.
في ذلك العدوان لم تحقق إسرائيل أي مرابح تذكر نتيجة حربها الشرسة في قطاع غزة، وكان يفترض أن تدخل في اجتماعات غير مباشرة مع المقاومة الفلسطينية في القاهرة، إلا أن ذلك لم يتحقق وبالتالي كسبت إسرائيل من وراء عدوانها تدمير قطاع غزة وإرجاع الفلسطينيين عشرات الأعوام إلى الوراء، وكسبت المقاومة الفلسطينية صمودها ضد هذا العدوان.
ولأن إسرائيل لم تدفع أي ثمن ناتج عن عدوانها الأخير، فقد حسب هذا ربحاً لنتنياهو الذي ارتفعت شعبيته وقتها، والذي استخدم جغرافية قطاع غزة في أكثر من مرة، لينطلق منها خدمةً لأغراضه الانتخابية وتعزيز نفوذه في معسكر اليمين المتطرف.
الآن وبعد أن أفشل المفاوضات مع الطرف الفلسطيني ووضع هذا الموضوع على جنب، وبعد أن تمكنت الدبلوماسية الإسرائيلية من التأثير لمنع إنجاح خطة الرئيس محمود عباس في مجلس الأمن الدولي، ذهب نتنياهو إلى تحقيق غايات أخرى.
بعيد الهجوم على صحيفة "شارلي إبدو" وما تبعها من أحداث عنف في فرنسا، خرجت مسيرة مليونية حضرها رؤساء دول وكبار الساسة في العالم، ومن بينهم رئيس الحكومة نتنياهو الذي قرر انتهاز الفرصة للمجيء إلى باريس والمشاركة في هذه التظاهرة العالمية.
حضور نتنياهو إلى باريس جاء على خلفية تحقيق مصالح انتخابية والتأكيد للجمهور الإسرائيلي أن قلب الرجل على السلام العالمي وأنه ينبذ العنف والإرهاب، ومتمسك بيهودية الدولة باعتبارها القلعة الأهم والمعقل الأساسي والطبيعي لليهود من كل حدب وصوب.
ولكونه يدرك عقلية الناخب الإسرائيلي الذي ينظر بحساسية مفرطة تجاه الوضع الأمني، يحاول نتنياهو استخدام فزاعة الهاجس الأمني لتحقيق مصالحه الخاصة، ويبدو أن عملية القنيطرة على الجبهة السورية، لم تكن نتاج مخاوف أمنية حدودية، بقدر ما أنها افتعال أزمة لاستدعاء المخاوف الأمنية مجدداً.
هذا هو الوتر الذي يلعب عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية، مدركاً بشكل مسبق أن حزب الله سيرد على الضربة الإسرائيلية، ويتأكد لدى نتنياهو أن لا أحد يرغب في التصعيد وأن أي فعل إسرائيلي مرتبط برد فعل من قبل حزب الله، والعكس صحيح أيضاً.
أي أن نتنياهو كان متأكداً أن حزب الله لن يقدم على حرب مع إسرائيل، لذلك لجأ إلى حيلة ضربة هجومية يستهدف عن طريقها ربط الوضع الداخلي في تل أبيب بقضايا أمنية حاضرة، مع العلم أنه يصعب على نتنياهو افتعال حرب جديدة في مربع قطاع غزة، لم تندمل جروحها بعد وقد تتجاوز في ردودها اليوم واليومين والأسبوع.
هذا عن فزاعة حزب الله، أضف إلى ذلك هناك فزاعة اسمها إيران التي ينظر نتنياهو لها الكثير من العداء، ولا ينفك يعلن اشمئزازه من أي مفاوضات بين طهران والولايات المتحدة، قد تسمح للأولى بشكل أو آخر بناء قدرات نووية تهدد أمن إسرائيل.
لقد كان نتنياهو مصراً منذ البداية على ضرورة عدم التفاوض مع إيران وزيادة العقوبات الأميركية والدولية عليها، ومنعها من امتلاك قنبلة نووية، وكانت تنادي إسرائيل بلازمة توجيه ضربة عسكرية تفرمل الطموحات النووية الإيرانية.
ولأن الإدارة الأميركية رفضت الطلب الإسرائيلي، وارتأت سياسة التفاوض مع طهران واحتواءها بالدبلوماسية الناعمة، فقد برزت خلافات بين الرئيس أوباما ونتنياهو حول هذا الموضوع، ومن المقرر أن يلقي رئيس الحكومة الإسرائيلية خطاباً عن إيران في الكونجرس الأميركي، يوم الثالث من الشهر المقبل.
الدعوة لإلقاء خطاب في الكونغرس وجهها رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر، ولم يستشر فيها الإدارة الأميركية، الأمر الذي اعتبره الديمقراطيون أمراً استفزازياً ومهانةً للرئيس أوباما الذي أعلن صراحةً أنه لن يقابل نتنياهو بسبب عرف وتقليد أميركي يقضي بعدم مقابلة الزعماء قبل الانتخابات مباشرةً.
مع ذلك فإن هناك حساسية كبيرة بين الإدارة الأميركية وشخص نتنياهو، في حين أن الجمهوريين يلعبون على حبل التناقضات ويستهدفون من وراء توجيه الدعوة إلى نتنياهو، الضغط على أوباما لوقف التفاوض مع إيران، وهذا الأمر يرفضه الرجل ويلوح بالفيتو واستخدام سلطاته كاملةً إذا لازم الأمر.
ما يريده نتنياهو من كل ذلك، هو محاولة لكسب تأييد وتعاطف صانع القرار الأميركي معه إزاء تخوفاته من إيران، والحصول على مكاسب حقيقية شخصية في هذا الملف، تسهل له إدارة معركته الانتخابية التي يبرع فيها، قبل استحقاق الانتخابات.
ليست سهلة فرص نتنياهو في خوضه الانتخابات المبكرة المرتقبة، خصوصاً وأن استطلاعات الرأي تقارب في عدد المقاعد بالكنيست بين حزب "الليكود" اليميني وحزب "العمل" اليساري، لكن العبرة عند نتنياهو في باقي الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يأمل أن تساعده وتعينه في تركيب ائتلاف حكومي يتحكم في السيطرة عليه.
وعلى كل حال، كل السياسيين في إسرائيل هم نتنياهو وأسوأ من هذا النموذج، والكلام مردود على من يراهنون بعودة اليسار أو الوسط للحكم من جديد، فلا اليمين ولا اليسار سيصنعون السلام الحقيقي مع الفلسطينيين، طالما أن إرادة التعايش السلمي والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني غائبة عند كافة الأحزاب الإسرائيلية.