لا أقصد طبعاً التدخل العسكري الدولي في ليبيا وإنما التدخل المصري على وجه التحديد.
قد تكون مصر بحاجة إلى نوع من الغطاء الدولي قبل أن تقدم على خطوات جديدة ونوعية أكبر وأعلى من القصف الجوي، وقد تكون مصر بحاجة لجولة من التنسيق مع بعض الدول المجاورة لليبيا وخصوصاً العربية منها، لكن الذي بات مؤكداً أن مصر لن تنتظر طويلاً قبل أن يتحول تدخلها العسكري في ليبيا إلى عمليات عسكرية متنوعة وقوية وقد تصل إلى الإنزالات بل وحتى بعض أشكال التوغل المباشر في بعض المناطق الليبية.
هناك الكثير من الاعتبارات السياسية والفنية للتدخل المصري في ليبيا.
لا يوجد في الواقع الإقليمي ولا في الواقع الدولي دولة يمكن أن تقف في وجه حق الدولة المصرية في حماية أمنها القومي باستثناء (علني أو مستتر) تركيا وقطر، لأسباب نعرفها جميعاً ولا حاجة لشرحها أو إيجاد التفسير أو التبرير لها.
بل على العكس من ذلك فإن دول الجوار الليبي ودول الإقليم العربي وربما الشرق أوسطي وكذلك دول جنوب المتوسط الأوروبية ستشجع هذا التدخل، وربما ستشارك به بصور وأشكال مختلفة، وقد تسعى هذه الدول لتقديم مساعدات عسكرية ولوجستية مباشرة لتحفيز مصر على القيام بهذه المهمة.
أما على الصعيد الدولي الأشمل فمن المؤكد أن باقي ما يسمى بالمجتمع الدولي سيشجع هذا التدخل حتى وإن كان موقفه «الخاص» غير ذلك، وحتى لو اقتصر هذا التشجيع على الكلام الإعلامي وامتنع بالكامل عن تقديم أي دعم من أي نوع كان.
لكن الأهم من كل ذلك هو موقف ليبيا على الصعيد الرسمي أولاً وعلى الصعيد الشعبي أيضاً.
الشيء المؤكد أن الغالبية الساحقة من قيادات الدولة الليبية الشرعية بما فيها القوات المسلحة المنضوية تحت إمرة الجنرال حفتر، وكذلك قيادات الجيش الوطني الليبي ترغب بهذا التدخل وهي ـ على ما يبدو ـ تعد العدة لمساعدة الجيش المصري على إنجاز هذه المهمة التي تراها الدولة الليبية نقطة ارتكاز هائلة في مسار إعادة بناء الدولة الوطنية، وفي مسار تخليص ليبيا من فوضى الميليشيات المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
جدير بالذكر هنا أن التدخل الذي يمكن أن تقدم عليه مصر لا يتعلق بكامل الأرض الليبية ـ إذ إن مهمة من هذا النوع تستحيل على دولة بعينها حتى ولو كانت بحجم مصر وقواتها العسكرية الكبيرة وجيشها المؤهل ـ وإنما يتعلق ببعض المناطق الخاصة من المنطقة الشرقية، ذلك أن الميليشيات المتواجدة في الجنوب وفي الغرب لها أهداف ومطالب وآراء وأفكار ربما تكون ـ مؤقتاً على الأقل ـ مختلفة عن الخارطة في المنطقة الشرقية.
وجدير بالذكر أيضاً أن الوصول إلى حل سياسي في الغرب والجنوب أمر ممكن، وبالتالي فإن الوصول إلى مثل هذا الحل التوافقي يمكن أن يقطع الطريق على «التواصل» بين الميليشيات المختلفة، بل ويمكن أن تتم إعادة تجنيد هاتين المنطقتين في مصلحة إعادة بناء الدولة الليبية إذا ما ساعد الوضع الإقليمي والدولي الدولة الليبية على إنجاز هذا الحل، وهو الحل الذي يبدو أن مصر نفسها تعمل عليه.
حسب الإحصاءات المنتشرة في الكثير من وسائل الإعلام فإن ميليشيات التكفير والقتل في المنطقة الشرقية يصل عددها في الحد الأقصى إلى ثلاثين ألف مقاتل منهم أكثر من عشرين ألف هم من جنسيات غير عربية، وغالبيتهم الساحقة من جنسيات أميركية وأوروبية، وهم على درجة عالية من التنظيم والتدريب وعلى درجة أعلى من الغلوّ والتطرف.
كما تشير بعض وسائل الإعلام العربية «المتخصصة» إلى أن حركة الهجرة من ليبيا إلى جنوب أوروبا باتت الوسيلة الأكبر والأهم «لإعادة تصدير» المقاتلين من سورية والعراق إلى القارة الأوروبية بهدف خلق خلايا نائمة وقواعد ارتكاز مستقبلية للمعارك التي تعد لها هذه المنظمات التكفيرية في قلب القارة.
اللافت أيضاً أن هذه التنظيمات لديها قدرة كبيرة على التنقل من مناطق بأكملها إلى مناطق جديدة بسرعة مذهلة، حتى لا تضطر إلى مواجهة ضربات قاتلة، وحتى لا تتيح للطيران من تدمير مقوماتها الرئيسية، لكن مقتل هذه التنظيمات في ليبيا هو في أنها لا تجد مفراً من التواجد في المنطقة الشرقية وذلك لأسباب تتعلق بالنفط وتصديره باعتبار ذلك ـ بالنسبة لها ـ مصدر التمويل من جهة ومصدر القوة في التأثير على الخصم من جهة أخرى.
لم يعد أمام مصر غير التدخل بغض النظر عن المستوى والشكل والقوة المستخدمة ونوعية هذه القوة، لأن الجسر البرّي بين سيناء وبين ليبيا أصبح يهدد الأمن القومي المصري في الصميم، وبات محتماً على الجيش المصري تطويق الجسر وتدميره قبل أن يتحول إلى نقطة ضعف في حرب مصر على الإرهاب.
استطاعت مصر تقليص حجم التهديد الذي كان يشكله التواصل بين قطاع غزة والإرهاب في سيناء، واستطاعت على ما يبدو أن تحول العمليات الإرهابية في سيناء إلى «عمليات» متقطعة تنقصها القدرة على الديمومة والاستمرار، وان تحولها إلى حالات انتقامية وليس إلى عمليات متصلة في سلسلة متواصلة من الناحية الاستراتيجية.
باختصار يبدو أن الإرهاب في سيناء في مرحلة دفاع ودفاع يائس أحياناً، وإذا ما أرادت مصر أن تنتصر نهائياً في سيناء فإنها مجبرة على تدمير القواعد الكبرى لهذا الإرهاب في ليبيا.