في الثلاثاء القريب (3/ 3) سيلقي بنيامين نتنياهو خطاباً أمام الكونغرس الاميركي، وهي ليست المرة الاولى التي «يَتشرَّف» اعضاء الكونغرس من جمهوريين وديمقراطيين بالاستماع الى رئيس وزراء الدولة الديمقراطية «الوحيدة» في غابة الشرق الاوسط المظلمة، وايضاً الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة الاميركية ودائماً شريكتها في المُثل والقِيَم الانسانية، على ما يردد وفي شكل متهافت وببغائي، المسؤولون الاميركيون الذين يحفظون دائماً وابداً لاسرائيل «حَقّها» في الدفاع عن النفس حتى لو ارتكبت جرائم الحرب وداست على القانون الانساني الدولي وأدارت ظهرها بازدراء للشرعية الدولية التي ليست في نظرها ونظر حليفتها الدولة الاعظم في العالم سوى خِرقة بالية، لا تُستَخْدَم إلاّ لمسح الارتكابات والجرائم، باسم المصطلح المُزوّر والكاذب الذي ينطقون باسمه وهو... «المجتمع الدولي».
أصل الحكاية..
رئيس مجلس النواب بل وأحد ابرز صقور الجمهوريين جون باينر، وَجّه دعوة «شخصية» لنتنياهو كي يلقي خطاباً أمام الكونغرس الاميركي يوم الثالث من شهر آذار المقبل، ما اثار زوبعة عاتية، لم تَخِفّ حدتها بعد، من ردود الفعل والانتقادات الشاجبة لدعوة، كهذه لم تراعي بروتوكول البيت الابيض عبر «إخباره» على الاقل-ما بالك موافقته-وبخاصة أن الدعوة جاءت في ذروة الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية التي ستتم بعد اسبوعين من القاء نتنياهو خطابه المثير للجدل (17/3)، الأمر الذي سيبدو بمثابة دعم اميركي لنتنياهو في مواجهة خصومه ومنافسيه في الساحة السياسية والحزبية، والضرر سيكون اكبر بكثير لو قام باراك اوباما باستقباله في البيت الابيض (كجزء من البروتوكول على الاقل)، ما أدّى الى جدل دستوري حول أحقية جون باينر في التصرف هكذا بمعزل عن البيت الابيض، حتى لو كان من حزبه او الحزب المنافس.
في اسرائيل.. كانت الضجة أكبر وامتلأت الصحف ومحطات التلفزة وباقي وسائط الإعلام، بالتعليقات الناقدة واللاذعة، واخرى المُرحِبة والداعمة لنتنياهو، لكنها في معظمها التقت عند نقطة رئيسية وهي أنه وأياً كانت «بلاغة» نتنياهو في الخطاب، وقدرته على اقناع الكونغرس بوجهة نظره ازاء الاتفاق المتوقع بين مجموعة (5+1) وايران حول ملفها النووي والذي سيبلغ منتهاه في 24 آذار المقبل، فإن الضرر الذي سيلحق بالعلاقة بين تل أبيب وواشنطن سيكون «فادحاً»، اياً كانت «هوية» الرئيس الذي سيحل مكان اوباما في المكتب البيضاوي يوم 20 كانون ثاني 2017، ما بالك أن اوباما لن يُغادر البيت الأبيض قبل سبعة عشر شهراً من الآن، ما يعني انه ما يزال يمتلك الكثير من الأوراق قبل ان يصبح بالفعل «بطة عرجاء».. مع اقتراب مدة مغادرته منصبه؟
الى أين من هنا؟
خرجت إحدى «صقور» الادارة الاميركية عن صمتها وأدلت بالتصريحات الاكثر «حدة» منذ ان برزت الى السطح مسألة خطاب نتنياهو، ونقصد هنا سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الاميركي والأقرب إلى «فكر» اوباما وربما المُعبِّرة عن «آرائه» عندما يجد حرجاً او خشية من ردود فعل غير محسوبة..
«...إن قبول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعوة لالقاء خطاب أمام الكونغرس، بدون موافقة البيت الابيض، سيكون له «أثراً مُدمِراً» على العلاقات الاميركية الاسرائيلية، قالت رايس، التي اضافت ايضاً: ان العلاقات الاميركية مع اسرائيل كانت موضع تجاذب بين الحزبين، لكن الدعوة لالقاء الخطاب، تخرق ذلك التقليد وتعطيها طابعاً سياسياً»..
فهل ثمة ما يشي بأن امراً كهذا سيحدث؟
من المبكر الحديث عن تطور دراماتيكي كهذا، لأسباب عديدة، لعل في مقدمتها معرفة ما اذا كان نتنياهو سيبقى في موقعه أم انه سيجلس في مقاعد المعارضة او يعتزل العمل السياسي، رغم ان الاستطلاعات ما تزال تعطيه المرتبة الاولى حتى في ظل الفضائح التي تلاحقه، وبخاصة بعد نشر تقرير مراقب الدولة.. ثم-وهذا ثانياً-فان احتمالات التوقيع على اتفاق مع ايران حول ملفها النووي، ما يزال حتى الآن موضع تجاذب وسجالات وتصريحات متناقضة بعضها مُتفائِل وغيرها مُتشائِم، الأمر الذي سيكون اكثر وضوحاً في الرابع والعشرين من آذار (اي بعد اسبوع من الانتخابات الاسرائيلية)،.. زد على ذلك، ما قد تأتي به من مفاجأت واحتمالات، ميادين القتال والحرائق والأزمات المشتعلة في اكثر من مكان في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وخصوصاً اوكرانيا ومستقبل العلاقات الاميركية الروسية، والروسية الاوروبية.
هل سيكون خطاب نتنياهو.. مُدمِراً؟
بالتأكيد لا، فإدارة اوباما «أضعف» من ان تغامر بالمواجهة مع انصار اسرائيل، حتى لو التزمت قرارها بالقطيعة مع «آيباك» (اقوى لوبي يهودي في اميركا) وحتى لو تم التوقيع مع ايران على اتفاق نووي، ويبقى ان ننتظر خطاب نتنياهو ونتائج «تحدّيه» لباراك حسين اوباما.. شخصياً.