يكشف الصراع الدائر داخل جماعة الاخوان المسلمين بعد قرارات الفصل التي اتخذها مجلس شورى الجماعة تجاه قياداتها التاريخية والمحسوبة على التيار المعتدل عن تلك المصالح الشخصية التي تتضح معالمها يوما بعد يوم في صناعة قرار هذا الكيان السياسي الذي ظل يطرح نفسه جزءا من النسيج الاردني على مدى عقود ماضية.
فهذه المزاجية التي ضحت بالمراقب العام الاسبق للجماعة الشيخ عبد المجيد الذنيبات خارج التنظيم، اعادت الجدل مجددا حول شرعية الاخوان المسلمين ككيان سياسي من عدمه.
وهذا الجدل الذي تصدى له الاخواني المخضرم الدكتور عبد اللطيف عربيات لاثبات شرعية الاخوان المسلمين على الساحة الاردنية، فجر عن معلومة لم تكن في جعبة السياسيين والمراقبين سابقا وهي ان الجماعة رخصت بقرار من مجلس الوزراء عام 1953 كحركة اسلامية شاملة. وما قصده الدكتور عربيات ان العمل السياسي الذي تمارسه الجماعة منذ ذلك التاريخ يستمد شرعيته من ذلك القرار الامر الذي يفسر ذلك الحراك الحمائمي المضاد للتيار المتشدد الذي يقوده المراقب العام الحالي الدكتور همام سعيد باتجاه منع انشقاق الجماعة وانهيارها بسبب قرارات واضح ان سببها عدم تقارب اولويات التيارين فيما يخص الحالة السياسية الاردنية.
وإن اختلف الحمائم والصقور في هذا الصدد، الا ان ما يجمعهما حتى الان العمل السياسي الذي تمارسه الجماعة شرعيا، وهذا ما يتطلب فتوى قانونية خاصة بعد اعلان وزارة التنمية الاجتماعية بان الاخوان المسلمين ليسوا مسجلين كجمعية خيرية في قانون الجمعيات الساري المفعول منذ عام 1966.
وما ساد في العقود الماضية وتحديدا بعد عودة الحياة البرلمانية الى البلاد عام 1989 بان الاخوان المسلمين شاركوا في الانتخابات النيابية ومارسوا العمل السياسي من شباك جمعية المركز الاسلامي الخيرية التي كانت تحت نفوذهم قبل ان يصدر قرار بحل مجلس ادارتها من قبل حكومة الدكتور معروف البخيت عام 2006 وتعيين مجلس ادارة اخر من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بصفتها الجهة المخولة وتحويل ما عرف انذاك بملف التجاوزات الى القضاء للبت فيها.
وعرف ان جمعية المركز الاسلامي كانت الذراع المالية للاخوان المسلمين منذ تاسيسها عام 1963 وانها السبب الرئيسي في تمددهم الشعبي داخل الاردن.
واذا سلمنا بما تفضل به الدكتور عبداللطيف عربيات بان الجماعة تستمد شرعيتها من قرار مجلس الوزراء عام 1953 فذلك يعني ان تنظيم الاخوان المسلمين يفترض ان يكون وفق اول قانون للاحزاب صدر بعد عودة الحياة النيابية عام 1989 قد حصل على ترخيص لممارسة العمل السياسي بمفهوم المشاركة في صناعة القرار من البوابة التشريعية. الا ان ذلك لم يحصل، وما جرى انه تم ترخيص حزب جبهة العمل الاسلامي الذي عرف فيما بعد بانه الذراع السياسية للجماعة، مع مفارقة ان الاخوان المسلمين ظلوا يمارسون العمل السياسي من خلال مراقبه العام ومكتبه التنفيذي.
ووفق المعطيات القانونية انذاك كان يفترض ان يكون حزب جبهة العمل الاسلامي المنصة السياسية للجماعة، الا ان ذلك لم يحدث بدليل ان المراقب العام كان له دوما موقف سياسي تجاه الاحداث والقضايا الداخلية والخارجية بالتوازي مع امين عام الحزب ومؤسساته الداخلية الامر الذي كان يؤكد دوما بان هناك مؤسستين سياسيتين للاخوان المسلمين.
ومع ان الصورة التي كانت متوقعة بعد عام 1992 ان تمارس الجماعة السياسة من خلال الحزب ودورها الدعوي من خلال التنظيم، فما جرى ان الدعوة لم تعد من اولويات الجماعة وان السياسة اصبحت شغلها الشاغل، الامر الذي نزع «اللاهوتية» عنها، لان الدين والدعوة اليه لم يعد عمود تنظيمها، واصبحت في دائرة النقد لانها تخلت عن نهجها الذي انتشرت به بين الناس واصبحت مثلها مثل باقي التيارات السياسية على الساحة المحلية.
ولذلك فان السؤال يتجدد في طرح نفسه هذه الايام، هل سيبقى الاخوان المسلمون تنظيما خارج منظومة القوانين الناظمة للعمل السياسي، ام انه سيخضع لقانون الاحزاب؟. فكل ما تقدم حتى الان يؤكد ان القوانين الناظمة للحياة السياسية ابطلت دستوريا ذلك القرار الذي يتوجب على جماعة الاخوان المسلمين ان تكون حزبا مرخصا او جمعية خيرية ما دام حراكنا الوطني يتجه الى النهوض بالحياة الحزبية لترجمة خارطة الطريق التي رسمها جلالة الملك عبدالله الثاني والشعب الاردني لتمتين رواسي الاصلاح الشامل وتشكيل الحكومات الحزبية.