رغم أهمية كل القضايا الخلافية داخل إطار جماعة الإخوان وآخرها قضية الترخيص والشكل القانوني لوجود الجماعة وهل هي حزب أم جمعية أو منظمة دعوية إلا أن المشكلة الكبرى التي تعاني منها الجماعة وتدفع ثمنها وإن كان الحديث عنها غير ملموس، هذه المشكلة هي البنية الأخلاقية في العلاقات داخل التنظيم.
فالشكل الديني للجماعة والحديث عن نشر الإسلام هو الخطاب السياسي للجماعة، كما أن في داخل التنظيم أعضاء يتعاملون بصدق مع فكرة خدمة الدين ولديهم مستويات رفيعة من الخلق الفردي والإلتزام الأسري الكريم بأحكام الدين، لكن مشكلة الجماعة في إدارة العلاقات التنظيمية التي يعلم قادتها ورموزها إلى أين وصلت خلال العقدين الأخيرين وكم هو حجم المؤامرات الداخلية من شلل ومجموعات ضد آخرين من «إخوانهم»، وكيف تكون مواسم الانتخابات التنظيمية على مستوى إدارات الشُعب ومجلس الشورى والمكتب التنفيذي وأيضاً إنتخابات الحزب ومواسم الترشيح للإنتخابات النيابية قبل مواسم المقاطعة حتى أن المقاطعة في موسمها الأول عام ١٩٩٧ كان من أسبابها إبعاد مجموعة عن الأضواء وإعادة الإعتبار لقيادة الجماعة في حينه وهذا ما كان يتحدث به أحد أبرز قيادات الجماعة والمقاطعة في ذلك الوقت.
المشكلة الكبرى التي تعاني منها والتي ستذهب بها إلى زوال التأثير هي بنيتها الأخلاقية الداخلية وكيف تدير الجماعة خلافاتها وكيف يتحول الشخص فيها من أخ فاضل ورمز والابن البار للدعوة إلى شخص توجّه إليه كل الاتهامات والشتائم.
وأنظروا كيف يتعامل القادة والرموز الذين يحملون ألقاب أصحاب الفضيلة وشهادات الشريعة والألقاب التنظيمية مع بعضهم البعض، وأسألوا من لديهم المعرفة كيف تكون الكولسات قبل الاجتماعات وعند عمليات الإنتخابات وكيف يكون التآمر من أصحاب الفضيلة على من يحملون ذات الألقاب.
قد يحدث هذا في تنظيمات دنيوية لكن من يقدمون أنفسهم قادة إصلاح لأخلاق الأمة وصناعة أجيال صالحة ثم لا يتقنون إدارة علاقاتهم الداخلية وفق خلق الإسلام فهذا يعني أن الجماعة فقدت جوهرها ورسالتها ودخلت مرحلة تناقض مع نفسها.
هذا الحديث ليس جديداً فكثيرون داخل الجماعة يعلمونه، لكن الجماعة مثل تعاملها مع كثير من مشاكلها الداخلية لم تفعل شيئاً لحلها، حتى تراكمت ووصلت إلى ما هي عليه الآن وأخذت أبعاداً يرى الناس بعضها اليوم في الخلافات التي تأخذ أبعاداً وأشكالاً تتعلق بهوية التنظيم وترخيص الجماعة وقبلها مبادرة زمزم وغيرها من الملفات الداخلية التي ظهرت خلال المراحل السابقة.
حكاية الترخيص قد تكون اليوم هي التي تطفو على السطح ولو كانت قيادة الجماعة تقرأ الأمور لذهبت للترخيص حتى لو كان فيه تحديد لمجالات عمل الجماعة كحزب أو جمعية أو جهة دعوية، لأن غياب الترخيص ليس في مصلحة الجماعة، وليس هنالك شرعية دون الاحتكام للقانون والجماعة ليست فوق القانون، والحالة السياسية التي كانت تمنحها وضعاً خاصاً غابت وبالتالي فإن بقاءها خارج القانون يعطي الحق لأي مجموعة أن تشكل حزباً شرعياً باسم الإخوان وسيكتسب الشرعية.
ندرك أن الترخيص يعني أن تعلن الجماعة أسماء الأعضاء وأن يكون لها نظام أساسي يلغي تبعية الجماعة للجماعة الأم في مصر لكن من يريد أن يعمل تحت الشمس لا يخشى من العلنية إلا إذا كان لديه ما يخفيه.
مرةً أخرى فإن مشكلة الجماعة الكبرى داخلها، وفي بنيتها السلوكية التي تدير بها قضاياها وخلافاتها وكيف يتعامل كل تيار مع الآخرين، وستبقى الجماعة تنتقل من أزمة إلى أخرى، ولن تذهب إلى انشقاق بالمفهوم التقليدي للانشقاق بل ستبقى أمراضها داخلها تتعاظم إلى أن تقرر الجماعة أن تكون صادقة في إصلاح نفسها وهو أمر غير متوقع وفق نهجها الحالي في الأردن وخارجه.