أخر الأخبار
المطلوب من المجلس المركزي لـ «منظمة التحرير»
المطلوب من المجلس المركزي لـ «منظمة التحرير»

من المقرر أن يعقد المجلس المركزي لـ «منظمة التحرير» دورته السابعة والعشرين غدًا وبعد غدٍ، ومن المفترض أن تكون السابعة والستين أو السبعين أو الثمانين، لو كان المجلس يقوم بدوره بوصفه الهيئة الوسيطة بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني. لكن تداعيات «اتفاق أوسلو» اقتضت تغييب المجلس المركزي في سياق تقزيم المنظمة بأسرها، التي تراجع دورها بشكل كبير لمصلحة السلطة بدلًا من أن تكون الأخيرة من أدوات المنظمة.
وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، وفوز «حماس» بغالبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات العام 2006، وتعذّر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لأسباب متعددة، فلسطينية وإسرائيلية وغيرها، جميعها أدت إلى دبّ بعض النشاط بدور «المنظمة»، وتحديدًا المجلس المركزي الذي كان قد أقرّ «اتفاق أوسلو» المشؤوم، ومدد ولاية الرئيس وولاية المجلس التشريعي اللذين انقضت ولايتيهما في العامين 2009 و2010.
برغم كل ما سبق، يفيد عقد اجتماع المجلس المركزي، لأنه يشير إلى أنّ المنظمة لا تزال على قيد الحياة، ولأنها كانت الإطار الجامع والكيان الوطني والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. لا خلاص وطنيًّا من المأزق الشامل الذي يواجه القضية الفلسطينية ويهددها بعواقب وخيمة من دون إعادة بناء الحركة الوطنية والتمثيل والمؤسسة الوطنية الجامعة التي تجسّدها «منظمة التحرير».
أول ملاحظة يمكن تسجيلها أنّ الاجتماع، الذي من المفترض أن يكون تاريخيًّا، لن تشارك فيه حركتا «حماس و «الجهاد الإسلامي»، أو أنهما ستشاركان بشكل رمزي. صحيح أن الدعوة وجهت لبعض الأعضاء منهما بسبب عضويتهم في المجلس التشريعي أو غير ذلك، لكنها تأتي من قبيل رفع العتب، ودليل على الاستمرار في الهيمنة والتفرد. فحركتا «حماس» و «الجهاد» مدعوّتان للمشاركة من دون اشتراكهما فعلًا في التحضير، لأن الاجتماع الجيد الذي يمكن أن يخرج بقرارات بمستوى التحديات والمخاطر يحتاج إلى تحضير تشارك فيه مختلف ألوان الطيف. والمشاركة غائبة ليس عند «حماس» و «الجهاد» فقط، ولا عند فصائل «منظمة التحرير» فحسب، وإنما حركة «فتح» مغيبة أيضًا، لأن طريقة الحكم واتخاذ القرار تضع السلطات والصلاحيات كلها بيد الرئيس.
قد يقول قائل إن دعوة «حماس» و «الجهاد» ومشاركتهما في المنظمة سيغضب إسرائيل والولايات المتحدة ومحورًا عربيًّا مهمًّا تشارك فيه مصر، وهي على عداوة شديدة مع «حماس» بوصفها امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين». وقد يقول آخر إن اللجنة التنفيذية شأنها شأن كل مؤسسات المنظمة شاخت وأكل الدهر عليها وشرب، ولا يصح أن يوضع المصير الفلسطيني بيدها.
البديل الطبيعي والمقبول في هذه الحالة أن يسبق اجتماعات المجلس المركزي حوار وطني شامل يحدد أين نقف وإلى أين نريد أن نصل وكيف، ويتضمن اتفاقًا شاملًا يحدد المطلوب من «فتح» و «حماس» وجميع الفصائل حتى تتحقق وحدة وطنية حقيقية، على أساس قواسم مشتركة وشراكة كاملة لا تلغي التعددية وتعطي الأولوية للمصلحة الوطنية وليس للمحاور أو للجماعات، ومن دون تدخل في الأوضاع العربية الداخلية، مقابل عدم تدخل العرب في الأوضاع الداخلية الفلسطينية.
الملاحظة الثانية على دورة اجتماعات المجلس المركزي أن جدول الأعمال الذي وزّع على الأعضاء يضم طائفة طويلة من الموضوعات من دون عنوان ناظم، ما يُعَرِّضُ اجتماعات المجلس لاحتمال أن تتحول إلى مهرجان، مهمته الوحيدة إضفاء الشرعية على القرارات التي سبق أن اتخذتها القيادة السياسية، ومتابعة النهج الذي سارت فيه منذ أكثر من عقدين من الزمان برغم أنه أوصلنا إلى الكارثة التي نحن فيها. ولا أقصد نهج القيادة فقط، لأن الإستراتيجيات الأخرى، بما فيها المقاومة المسلحة، وصلت إلى طريق مسدود برغم أنها حق وضرورة، ولكن شرط أن تكون ضمن إستراتيجية وخاضعة للمصلحة الوطنية.
المطلوب أن يكون العنوان الرئيس على جدول أعمال المجلس المركزي بلورة رؤية شاملة، واعتماد مقاربة جديدة مختلفة جوهريًّا عن المقاربة التي اعتمدت على الأقل منذ توقيع «اتفاق أوسلو» وحتى الآن.
لا بديل من قطع الحبل السري الذي دائمًا ما يعطي إكسير الحياة للمفاوضات المختلة، برغم أن كلّ الوقائع أثبتت أن إسرائيل، وليس هذا الحزب فيها أو ذاك، غير مستعدة للموافقة طوعًا على أي تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وهي حق العودة، وتقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة وذات سيادة على الأراضي المحتلة العام 1967، وعاصمتها القدس، ومساواة الفلسطينيين في أراضي 48 مع اليهود فرديًّا وقوميًّا.
تأسيسًا على ذلك، فالمطلوب كفاح طويل النفس، متعدد الأشكال، يستند إلى وحدة وطنية على أسس ديموقراطية توافقية وشراكة حقيقية، يسعى لتغيير موازين القوى، وجمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية من خلال تعزيز مقومات الصمود على أرض فلسطين، فضلًا عن المقاومة والمقاطعة واستخدام عدالة القضية وتفوقها الأخلاقي، والأبعاد العربية والإسلامية والإقليمية والدولية كافة، وعلى رأسها حركة التضامن الدولية والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي لا تزال تنتصر للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
لا ينفع أن يظل النظام الفلسطيني مدعومًا من النظام الرسمي العربي، معلقًا آماله على التوجه مرة أخرى إلى مجلس الأمن، وكأن «الفيتو» الأميركي زال من الطريق، وعلى الانتخابات الإسرائيلية القادمة، على أمل أن تؤدي إلى حكومة جديدة. علمًا أن ما قد يحصل هو أن يتم استئناف المفاوضات على الأسس السابقة ذاتها مع تعديلات طفيفة، أهمها إدخال أطراف عربية ودولية في المحادثات، حتى تضغط على الجانب الفلسطيني وتدفعه إلى تقديم التنازلات المطلوبة، ولتعبيد الطريق أمام إقامة حلف عربي ـ إسرائيلي ـ أميركي ـ دولي ضد الإرهاب والتطرف وضد إيران، خصوصًا إذا لم تؤدِّ المفاوضات بينها وبين الدول الكبرى إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وإذا تم الاتفاق على تقسيم الإقليم بعد إعادة رسمه من جديد إلى مناطق نفوذ بين الدول الإقليمية والكبرى، وعلى رأسها إسرائيل، وفي ظل غياب مشروع عربي حتى كما كان عليه الحال أيام «التضامن» العربي المقبور.