يبدو أن الحراك السياسي في المنطقة العربية، سيكسر بعضا من قوالبه التي افترض له أن يسير خلالها، ليكون "حصرا" بدول وأنظمة، تؤدي في نهاية الأمر الى "خطف" الحراك ليصبح حركة "تدمير" بديلا للتغيير المطلوب ..
فمن كسر مصر لرقبة المشروع الأميركي، الذي بحث تفتيت المنطقة واعادة رسم حدودها "الجغرافية" السياسية وفقا لرؤية تتيح لها السيطرة المطلقة لسنوات قادمة على ثروة وقرار العام العربي المصغر بكيانات تسمح لها بتمرير كل ما تبحث عنه، وأن تكون الخريطة الجديدة مضاعفة الرقم للدول فبدلا من 22 دولة وفلسطين قادمة، تصبح ما يزيد على الثلاثين دولة، مقسمة تقسيما يسهل التحكم بها عبر قاعدة "الريموت كنترول"..
مصر شبت عن الطوق بفضل تلاحم غاب طويلا بين الشعب وقواه الحية، والجيش وقيادة وطنية، ثورة أنتجت مسارا جديدا أدخل الارباك العام لقوى المؤامرة، ليس في أمريكا وبعض دول الغرب، بل وصل الى ذات الأدوات المصابة بالعمى السياسي منذ نشأتها، وبالأساس منها جماعة " الإخوان المسلمين"، التي ظن قادتها أن الحياة السياسية العربية قد دانت لهم بعد عقود من النشأة المقرة باتفاق تاريخي بين القصر الملكي والمستعمر البريطاني ومسؤول الجماعة حسن البنا..
خطفت مصر عبر مرسي فكان الظن أن خطف مصر مقدمة لخطف المنطقة، لكن الأمة لم تهن بعد الى درجة أن تسمح بتمرير أخطر "مؤامرة سياسية" تم اعدادها بعد مشروعي سايكس بيكو 1917، واغتصاب فلسطين وزرع كيان صهيوني أداة اسناد للمخطط الاستعماري، بعد شراكة راسخة مع قوى البغي الاستعماري ورأس الحية له الولايات المتحدة..
نصر مصر السياسي باعادتها الى روح مصر الناصرية التحررية، مع تطور كان غائبا في الحقبة الناصرية، ان بعض قادة العرب وحكامها باتوا على قناعة أكثر وعيا ورؤية بأن الخطر الحقيقي للوجود السياسي الكياني العربي، ليس مصر مهما كان نظامها، ولذا لا بد من حصارها وكسر شوكتها، كما نجحوا سابقا في تمريرها، بل بأن تكون مصر واقفة شامخة، وهو ما شكل رؤية عربية سياسية جديدة، لم ترتق بعد لتصبح استراتيجة متكاملة الأركان..
الفوز المصري باعادة الاعتبار للدولة المصرية كسر الحلقة الأهم في تمرير المشروع التقسيمي الجديد، وهو جماعة الإخوان، التي كشفت سرها وسترها أيضا، بأن طمعها السياسي فاق الحد، وانقشعت عنها كل دعاوي النفاق والخديعة بأنهم ليسوا سوى ضحايا للقمع، وانهم لم يمنحوا فرصة للحكم، رغم أن تجاربهم في أكثر من بلد عربي جلبت الكارثة، ما أجبرها على تغيير بعض من جلدها، او خروج البعض منها، شمال افريقيا مثالا وخاصة المغرب وتونس..
وتجربة حماس في فلسطين، رغم أن العدو الأول يجب أن يكون العدو المباشر، الإ أن تجربتها بعد الفوز بانتخابات رسمت اطارها الولايات المتحدة، أودت بـ"بقايا الوطن" الفلسطيني الى أسوء مرحلة تاريخية سياسية بعد النكبة الكبرى الأولى عام 1948، فأنتجت انقساما عبر انقلاب دموي، لا زال ساريا رغم كل أوراق المصالحة، وساهمت في خطف القضية سياسيا لتصبح تحت سيطرة القرار الأميركي..
الا أن ذلك "السواد السياسي" لم يطل كثيرا، فقد بدأت بعض بوادر حراك لتعرية "الظلامية السياسية" التي تسير وفقها الجماعة الاخوانية، وساهم خروج شخصيات ذات ثقل كبير من القيادة الإخوانية المصرية، وابرزهم نائب المرشد محمد حبيب وقيادات وازنة جدا بها، ككمال الهلباوي وثروت الخرباوي ومختار نوح وانشقاق عبد المنعم ابو الفتوح وتشكيل تنظيم مختلف مرجعية ورؤى،، فضح ما كان سرا عن حقيقة الجماعة سلوكا ومسارا، ثم سلوك بعض أطرافها في تونس وفلسطين والاردن وليبيا كان عاملا هاما جدا لبدء رحلة جديدة نحو تغيير الواقع الذي ساد طويلا..
ومع تجربة المغرب وخاصة حزب العدالة والتنمية بقيادة بنكيران، قدمت نفسها أنها خارج "وصاية المرشد" وعرضت برنامج سياسي لا يعكس أي ارتباط بمنهج الاخوان القهري، الا أن البعض لازال يرى أنه بحاجة الى مزيد من الحداثة الفكرية، يراه البعض ممكنا بعد تجربتهم في الحكم، ورؤية مصير "الجماعة الأم" وأن مصيرها ظلام لا بعده ظلام بعد الهزيمة التاريخية لها في مصر، ولا زالت الطريق سالكة لمزيد من الحاق الهزيمة بها لتعود الى رشدها الوطني..
الحراك والتمرد على وصاية الجماعة والبيعة للمرشد آخذة بالانهيار، ويبدو أن الجماعة في الأردن، سيكون لها أداة فاعلة في ظهور "التمرد الاخواني" والذهاب الى تشكيل أطر وطنية، بعيدة عن الهيمنة والوصاية والتبعية والبيعة للمرشد المصري، مهما كانت كفاءته أو رؤياه..
تشهد الاردن حراكا سيكون له تأثير تاريخي على مسار الجماعة، فلو قدر للشق "الاصلاحي" بالجماعة من التكتل والحصول على ترخيص جديد لها وفق القانون الاردني، باعتبارها حركة سياسية اردنية، مرجعية ورؤى، فذلك لن يمر مرور الكرام على فلسطين، والجماعة الإخوانية بها وحركتها المسلحة حماس..
ومعلوم تماما أن "إخوان الاردن" كان لهم اليد الطولى في ترتيبات حماس منذ الانطلاقة، رغم أن فرع الإخوان الغزي كان الأبرز والأكثر أثرا وعدة عسكرية، لكنهم لم يجدوا السند الكاف من الجماعة الأم في مصر، ما منح "إخوان الاردن" فرصة التحكم بمسار الحركة خاصة بعد "مؤامرة" اعتقال د.موسى ابو مرزوق في أمريكا، وهو الغزي وأول رئيس للمكتب السياسي لحماس، ما لم يكن متوافقا مع الجماعة الاخوانية الاردنية، والتي سارعت بترشيح خالد مشعل لرئاسة المكتب السياسي، منذ عام 1995 زمن الاعتقال وحتى تاريخه..
وقد كان للإخوان الاردن دورا حاسما وقاطعا في اعادة مشعل للرئاسة في آخر انتخابات جرت ايام حكم الاخوان في مصر، عهد مرسي المقبور، رغم أنه أعلن عدم ترشحه، وإنتخب رئسيا لمجلس الشورى، الا أن اصرار اخوان الأردن وخاصة همام سعيد مراقب الجماعة وتهديده بتحويلها الى مسألة جغرافية "ضفة وغزة"، أدى في النهاية الى اعادة انتخاب مشعل رئيسا..
لذا فتمرد اخوان الاردن قد يكون بابا جديدا وعهدا سياسيا تاريخيا لتصويب الوضع الاخواني العام في المنطقة، وربما يكون لذلك انعكاس مباشر على حماس، خاصة وأن بعض ملامحه تأخذ بعد "جغرافيا" كذلك ولكن بصيغة الأصل الشرق اردني والفلسطيني، سلاح يلهب ظهر مراقب اخوان الاردن همام سعيد وفريقه...
التمرد قادم في الاخوان، بل يمكن القول أن "الربيع الذي بحثوا عنه بالتوافق مع واشنطن" بدأ يتحول فعليا لخريف للجماعة وايضا للمشروع الغربي التقسيمي الاستعماري، وملامح "الربيع العربي " الحقيقي بدأت بالظهور في مصر وتتجه الى مناطق غيرها..
خريف الاخوان قادم وبالتاوازي مع ربيع عربي مقبل..تلك هي ملامح المشهد..وفلسطين لن تكون بعيدة عنه حتما!
ملاحظة: يا جماعة بلاش تخلوا أول ابريل أو نيسان موعدا لتقديم أول دعوى لجريمة حرب ضد الكيان..طبعا أنتم عارفين ان "كذبة ابريل - نيسان" تكون دائما في الأول منه..اذا ناسين نفكركم!
تنويه خاص: ما نشرته حماس على لسان اسماعيل هنية حول دور مصر التاريخي ومكانتها في اتصال مع المناضل الكبير شلح، قد يشكل منعرجا هاما نحو "واقعية سياسية" تبحث حلا، وليس هرقطة لغوية من بعض الصبية!