الثلاثاء المقبل (17/3) سيكون حاسماً في تشكيل الخريطة السياسية والحزبية الاسرائيلية الجديدة, وليس بالضرورة أن يكون لها اثر ايجابي على «عملية السلام» بين سلطة اوسلو وحكومة اسرائيل (اياً كانت الكتلة الفائزة سواء كانت اليمينية الحريدية بزعامة نتنياهو, أم المعسكر الصهيوني الذي يُصنّف الى جانب يسار الوسط بزعامة الثنائي اسحق هيرتسوغ «حزب العمل» وتسيبي ليفني رئيسة حزب الحركة «هتنوعاه»)..
الصراع بين القوائم المتنافسة على مقاعد الكنيست رقم «20», لا يدور حول ملفات ذات صلة بالتسوية أو تقديم مشروع سلام اكثر جدية من اوهام نتنياهو التي بثها منذ سنوات عندما القى خطابه الشهير, الذي بات يعُرف باسم «خطاب بارايلان» اعترف فيه نتنياهو بحل الدولتين, ولم يكن يقصد ذلك ابداً, بقدر ما اراد اضاعة الوقت وتكريس امر الواقع الاستيطاني ودفن حلّ الدولتين عبر القول بأن لا شريك فلسطينياً لاسرائيل, وفي الاساس معتمداً على دعم الادارة الاميركية التي واصلت هي الاخرى حماية «استيطان» اسرائيل وتبرير حروبها التي لا تتوقف ضد قطاع غزة, بذريعة حق الدفاع عن النفس ودائماً في ابداء «القلق» ازاء طرح المزيد من عطاءات بناء المزيد من المستوطنات.
المهم أن نتنياهو وقبل اسبوع من الاستحقاق الانتخابي الكبير, تنصّل من حل الدولتين وأعلن دفنه, مؤكداً أنه لم يكن متحمساً له ذات يوم, وان اسرائيل لن تتخلى عن أمنها وسلامة مواطنيها, وان سلطة اوسلو لا تمثل كل الفلسطينيين, وبالتالي هي ليست شريكاً لاسرائيل, لأن أي اتفاق معها لن يجد طريقه الى التنفيذ, كون حركة حماس تُسيّطر على قطاع غزة والجيش الاسرائيلي واجهزته الاستخبارية, هي التي تحول دون سقوط سلطة عباس وهيمنة حماس على الضفة, ما سيضع منطقة غوش دان (تل ابيب) تحت رحمة صواريخ حماس.
طبعاً ما كان لنتنياهو ان يسارع الى نعي حل الدولتين (كان خطاب بار ايلان بالنسبة اليه بوابة عبور لسلطة اوسلو وكثير من العواصم العربية وخصوصاً الاتحاد الاوروبي), حيث ظن هؤلاء ان نتنياهو في نسخته الثانية (2009) يختلف عن نتنياهو الاول (1996 عندما شكّل حكومته الاولى, وحدثت في عهده مواجهات النفق الدموية وقبلها اتفاقية الخليل), لكن الضغوط التي يواجهها نتنياهو في حملته الانتخابية الراهنة دفعته الى استخدام كل ما في جعبته من ذخائر سياسية أو دبلوماسية وخصوصاً إعلامية لمواجهة خصومه, بعد أن هدأت ضجة خطابه «التاريخي والمصيري» في الكونغرس وبدا وكأنه مجرد كلام حماسي, انتهى وهجه بعد اطفاء اضواء قاعة الكونغرس الفخمة.
اسباب نعي حل الدولتين او دفن خطاب بار ايلان، تكمن في «الوثيقة» الدراماتيكية والمدوّية بل الصاعقة التي نشرتها صحيفة «يديعوت احرونوت» والتي كانت نتاج مباحثات معمقة و»سرّية» بين رجل نتنياهو «المؤتمن» اسحق مولخو وحسين اغا الناشط اللبناني الشهير ووثيق الصلة بمحمود عباس، حيث جاء في الوثيقة ان نتنياهو وافق على العودة لحدود 1967 وتقسيم القدس وحق العودة (بمعنى إعادة إعداد محددة من اللاجئين الفلسطينيين).
اشتعلت الساحة السياسية والحزبية الاسرائيلية جراء هذا الكشف الذي احرج نتنياهو (وحزبه) اكثر من تلك التي ترتبت على نشر تقرير مراقب الدولة الذي يتحدث عن فساد وتبذير في موازنة بيت رئيس الوزراء (الحكومي في القدس المحتلة)، واستفادة منزله الشخصي في قيسارية من الاموال العامة المخصصة للمنزل الحكومي، ناهيك عن حكاية «القناني» المرتجعة التي باتت «نكتة» الشارع الاسرائيلي.
انصار نتنياهو خرجوا في حملة هيستيرية لتدارك الأمور، بعد ان خشوا ان يكون الاسبوع المُتبقي على الاستحقاق الانتخابي كارثياً لجهة تراجع حظوظ الليكود، الأمر الذي سيؤدي الى تقدم المعسكر الصهيوني (هيرتسوغ-ليفني)، اضافة الى ارتفاع حظوظ القائمة العربية الموحدة بزعامة ايمن عودة, ما قدم يضعها بالفعل في المرتبة الثالثة (حزبياً وكتلوياً)، الأمر الذي قد يجد ايمن عودة نفسه ولاول مرة في تاريخ الدولة الصهيونية, زعيماً رسمياً للمعارضة بكل ما يترتب هذا عليه من اطلاع على اوضاع امنية وسياسية حساسة فضلاً عن حراسة ولقاء بزعماء الدول الاجنبية وخطابات موازية لخطاب رئيس الحكومة، طبعاً هذا كله منوط بامكانية قيام حكومة وحدة وطنية بين معسكر اليمين والمعسكر الصهيوني لأن القائمة العربية المشتركة ستحل في المرتبة الثالثة حتماً, بعد ان لم يعد أي حزب آخر قادراً على الاحتفاظ بمرتبة كهذه سواء حزب يئير لبيد (يش عتيد أو يوجد مستقبل) أم نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي، أمّا افيغدور ليبرمان الذي هدد بأنه سيقطع رؤوس فلسطينيي العام 1948 بالفؤوس، فهو وقائمته في الحضيض, بعد فضائح الفساد التي تورط فيها وابنته وبطانته.
الى اين من هنا؟
الصمت العربي وخصوصاً الفلسطيني حيال تنصّل نتنياهو من حل الدولتين.. «صارخ» جداً وهو (هذا الصمت العربي الصارخ)، لا يؤخر ولا يقدم في موازين القوى بعد ان خرج عرب اليوم من التاريخ والجغرافيا، لكن اللافت هو ان نتنياهو اتكأ على هذا التبرير (التغيير في المنطقة) لإهالة التراب على «وهم» حل الدولتين.
.. عظم الله اجركم.