قد يكون جلالة الملك هو الأقدر على مخاطبة العالم الغربي، من حيث معرفته العميقة بأفكار الناس وتوجهاتهم ومزاجهم في هذا العالم، ومن حيث لغة الخطاب، وعقلانيته وواقعيته، فهذا الشاب القادم من الأردن المستقر الآمن الذي يوزع السلام على جواره المضطرب، يمثل ظاهرة مختلفة، متحضرة لها مثلها العليا وتقاليدها وديمقراطيتها الواعدة.
في مجلس النواب الأردني كان عبدالله الثاني لامعاً ومقنعاً وواثقاً فيما يقول، تماماً كما كان في الكونغرس الأميركي حيث صفق الشيوخ والنواب وقوفاً سبع عشرة مرّة.
أهم ما ركّز عليه جلالة الملك هو أن التطرف عربي والإرهابي عربي، وأن علينا وحدنا عبء محاربة هذا البلاء.. لأن علينا أن نسترد ديننا من اختطاف جماعات دموية حاقدة، فالإسلام كما فهمه الملك منذ طفولته في بيوت الهواشم هو احترام الآخر، واحترام الأديان، واحترام وصايا أبي بكر الخليفة: ولا تقتلوا شاةً ولا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله، وستجدون أمامكم أناساً يعبدون الله في الصوامع، فدعوهم ومما نذروا أنفسهم إليه.
فالرسول هو الرحمة، والله هو الرحمن الرحيم. وخطاب المسلمين: السلام عليكم. والملك يعرف أنه يخاطب ملايين المسلمين في أوروبا وأميركا، ويعرف أن هناك ملايين العرب المسيحيين في الشرق، وأن هؤلاء جميعاً يحتاجون إلى الفهم المشترك لمعنى احترام الآخر.
وأهم ما ركز عليه جلالة الملك: هو مصير الفلسطينيين، والعالم اعتاد أن يتعامل مع هذه القضية بالسياسة، وعبدالله يتعامل معها كحق من حقوق الإنسان الطبيعية: حقه في أرضه، وحقه في الحرية والكرامة، وما يحدث الآن هو محاولة اختطاف هذه الحقوق.. ومثل داعش يختطف التطرف الصهيوني وطن الفلسطينيين وحريتهم وكرامتهم الإنسانية، ويحولونهم إلى رهائن مهدورة الوجود.
لن تكون خطابات سيدنا في الفراغ، لأن سيدنا لا يلعب سياسة، إنه يقاتل التطرف هنا، ويقاتله بكل أشكاله، وحيثما مسَّ الحياة الإنسانية في العراق وسوريا وفلسطين سواء بسواء.
يكبر الأردن بقائده الفذ، ويكبر القائد بشعبه العظيم، وإذا كانت هذه المنطقة تعاني الدمار والدم والحقد فلأن قادتها خذولها، واخذوها إلى الصحراء، ووضعوا أمامها:.. السراب الذي يحسبه الظمآن ماء.