توقف الكثيرون عند تصريحات مدير المخابرات الأمريكية أنهم لا يريدون إنهيار نظام بشار الأسد، وهي تصريحات لا علاقة لها بمشاعر الحب والكراهية بل لها أسباب أخرى أهمها أن العالم ومع دخول الأزمة السورية عامها الخامس فشل في ايجاد حل حقيقي، وأن المجتمع الدولي كما وصفه جلالة الملك مؤخراً «حائر» في كيفية إدارة هذا الملف، فلا مسار سياسيا واضحا لوقف انهيار الدولة السورية، ولا قدرة من أي طرف على الحسم العسكري، وبالتالي فإن سوريا كلها تدفع الثمن حيث يستمر الدم والنزوح والقلق، وكل طرف من العابثين والباحثين عن النفوذ أو طالبي الثأر من النظام يضخون السلاح والمال والمقاتلين، والثمن تدفعه الدولة العربية السورية والشعب السوري، قبل أن يدفعه النظام أو المعارضة.
هم لا يريدون إنهيار النظام السوري لأنهم فشلوا في أن يصنعوا بديلاً، بل إن جهود العديد من حلفاء أمريكا صنعت حالة التطرف والإرهاب في سوريا التي أعتقدت هذه الأطراف أنها ستهزم النظام لكن هذا الإرهاب عزز رواية النظام ووصفه لما يجري، وتحول هذا الإرهاب إلى خطر على المنطقة.
نحن أيضاً لا نريد إنهيار الدولة السورية، فالإنهيار يعني الفوضى وتحول الجغرافيا السورية إلى جزر لنفوذ تنظيمات من كل الأنواع، ونفوذ لدول وساحات عمل لأجهزة مخابرات من كل الجنسيات، وقد تذهب سوريا إلى حروب ذات طابع فصائلي أو طائفي أو حروب دول، وسيقف العالم صامتاً يراقب نيران الحروب والفوضى التي تحرق سوريا وشعبها وسندفع نحن في الأردن الثمن الأكبر حيث سنكون الجار الأقرب والأكثر تأثراً بتلك النيران والهجرات والانفلات كما نحن اليوم الأكثر حملاً لأعباء هذه الأزمة وحيرة العالم وعجزه أو تلكؤه عن حلها.
ومهما تكن مواقف كل الأطراف من النظام أو المعارضة فإن ما يتم حرقه كل يوم هي سوريا العربية، والدولة ذات الحضارة الممتدة في أعماق تاريخنا العربي والإسلامي، هي سوريا حاضرة الشام، التي لا يجوز أن نختزلها بنظام حكم ولا فصيل معارضة.
بعض الأطراف التي تعمل بجد على أن تبقى النيران تحرق سوريا ومؤسساتها وأن تحول شعبها إلى نازحين ولاجئين، هذه الأطراف تريد إنهاء سوريا والشام، وقضيتها ليست كرهاً بنظام بشار الأسد ولا حباً بمعارضة بل تريد دائرة الدمار العربية من العراق إلى سوريا واستنزاف مصر وتفتيت اليمن وليبيا، وجعل بقية المنطقة قلقة خائفة من الفوضى.
هم لا يريدون إنهيار النظام السوري لأسبابهم، لكننا لا نريد إنهيار الدولة السورية لأن هذا الإنهيار–لا قدر الله – تدمير للمنطقة وثمن إضافي سيدفعه الشعب السوري الشقيق وعبء لا نعرف مداه سندفعه نحن يضاف إلى ما نحمله من أعباء.