انعقد المؤتمر الاقتصادي المصري تحت شعار “ مصر المستقبل 2030” خــلال الفترة 12 – 15/3/2014 بعد إعداد استغرق أكثر من (6) أشهر. وشارك في المؤتمر (100) دولة ومنظمة وأكثر من (20) رئيس دولة وحكومة . وطرحت الحكومة المصرية العديد من المشاريع التي جاوزت قيمتها (220) مليار دولار تغطي (11) محوراً رئيسياً كان من أهمها: الصناعة والطاقة والمياه والبيئة والزراعة والصحة والتعليم والثقافة والإبداع والإسكان والعدالة الاجتماعية والسياحة. واستطاعت مصر خلال المؤتمر أن تحقق التزامات تجاوزت (28) مليار دولار منها (12.5) مليار من دول الخليج و(12) مليار مع شركة بريتش بتروليوم و(4) مليار دولار مع مجموعة الفطيم وغيرها. إضافة إلى تعاقدات كثيرة بحيث تجاوز الرقم الكلي (181) مليون دولار. و هذا يعادل استثمارات بقيمة 18 مليار دولار لبلد في حجم الأردن. وكان المؤتمر ناجحاً بكل المقاييس تمثل ذلك بالإهتمام العالمي وإقبال الشركات واستعدادها للاستثمار في بلد ضخم بحجم (90) مليون نسمة ويتزايد بمعدل (2) مليون نسمة في كل عام .
لم يكن المؤتمر مجرد تظاهرة إعلامية بقدر ما هو تعبير عن إرادة سياسية قوية تسعى إلى التغيير، وترفض أن ترى مصر دولة متراجعة و مهلهلة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. وفي اليوم التالي لإنتهاء المؤتمر كانت التعليمات مباشرة من رئيس الدولة ورئيس الحكومة إلى الوزارات والمؤسسات بالمباشرة بتنفيذ المشاريع التي تم التعاقد عليها، وضرورة التزامها بتقليص مدد الإنجاز والانتهاء من المشاريع بشكل مبكر. تماماً كما كان الموقف في مشروع قناة السويس الجديدة والتي يتوقع أن تتم خلال عام بدلاً من عامين ليجري افتتاحها في شهر آب من هذا العام.
وقد كشف المؤتمر، أن هناك ثقة دولية بإمكانات مصر وتوجهاتها،وقد ساند الأردن هذه الثقة منذ اليوم الأول لنجاح ثورة الشعب في 30 حزيران عام 2013، بعد أن تحولت مصر من التعلق في الماضي وتضخيم الحاضر، إلى الاعتراف بنقائص الحاضر ومشكلاته ، ومن ثم النظر إلى المستقبل بعقلية علمية يقودها خبراء متخصصون، و رؤية مدركة لمتطلبات الخروج من عنق الزجاجة. إذ لا يمكن إحداث تغيير حقيقي في الحالة الاجتماعية الاقتصادية الراهنة دون التوسع في إنشاء المشاريع الجديدة ، و دون استغلال الإمكانات، ليس في حشوها داخل ما هو موجود، وإنما في إطلاقها نحو الإبداع في المشاريع الكبرى والمتنوعة . و كانت واحدة من الأفكار اللافتة مشروع إنشاء عاصمة إدارية جديدة على أطراف محافظة القاهرة، لتخفيف الضغط على وسط المدينة والمحافظة، و تخصيص جزء من القاهرة الجديدة ليكون “مدينة للإبداع”. كما كان الإهتمام بالطاقة بارزا و بشكل خاص الطاقة الشمسية .
لقد بلغت التعاقدات في مشاريع توليد الطاقة الكهربائية 74 مليار دولار منها 24 مليار في الطاقة الشمسية و الرياح والفحم، لتصبح الطاقة المتجددة في عام 2030 تعادل 25% من مجمل الطاقة و الفحم الحجري النظيف 15%. و هذا نموذج واقعي ينبغي أن نستفيد منه في مواجهة مستقبل الطاقة في بلدنا ،بدلا من الإصرار على الطاقة النووية التي لم يتعرض لها أحد في المؤتمر.و قد تعاقدت إحدى الشركات الأردنية على محطة شمسية باستطاعة 2000 ميغا واط.
أربعة أهداف وضعتها الدولة المصرية حتى عام 2030 . الأول : رفع معدل النمو الاقتصادي ليصل إلى ( 6 %) خلال (5) سنوات . ومثل هذا المعدل الطموح الذي يزيد عن ضعف معدل النمو السكاني هو الطريق الوحيد لزيادة دخل الفرد ورفع مستوى المعيشة. والثاني تخفيض حجم البطالة إلى أقل من (10%). وهذا يتطلب خلق مئات الآلاف بل ملايين من فرص العمل من خلال الاستثمارات الجديدة. والثالث التركيز على اعمار القرى والأرياف ، وإنشاء المشاريع الكبرى هناك بما في ذلك استصلاح الأراضي وشبكات المياه و تطويرمراكز اقتصادية جديدة.و الرابع حل مشكلة الطاقة بالتوسع الكلي في الطاقة المتجددة والفحم.
قد يكون هناك هدفان لم يظهرا بوضوح وكان ينبغي التركيز عليهما بقوة . الأول: هو تصنيع الاقتصاد المصري وتخفيف حجم المستوردات التي تتعدى (60) مليار دولار سنوياً. والثاني : التوسع في إنشاء الشركات الأهلية والجمعيات التعاونية حتى تكون شريكة في الاستثمار في المشاريع خشية أن يصبح الجزء الأكبر من عائدات المشاريع الجديدة من نصيب المستثمر الأجنبي .وهناك خشية تتطلب الكثير من الحذر، وهو أن يتحول مئات الآلاف من العاملين في المشاريع مجرد موظفين محدودي الأجر لدى المستثمر .وأن يؤدي التركيز على البناء والإعمار والمدن الجديدة إلى رفع الأسعار خارج قدرة المواطن الاعتيادي المحدودة. وتكرار الأخطاء السابقة بإغراق الإقتصاد بصناعة المال والعقار.
إن الطموحات كبيرة،و طريق النهوض والخروج من الأزمة لن تكون سهلة. وستتطلب الجهود المكثفة، والإدارة الحازمة ،والحلول المبدعة، والمشاركة المجتمعية على أوسع نطاق . ومع هذا فإن نهوض مصر مسألة حيوية بالنسبة للمنطقة بأكملها لأنه ينعكس ايجابيا في السياسة والاقتصاد والثقافة على الدول العربية الأخرى، ويعطي الفرصة لمصر لتلعب دوراً سياسياً فاعلاً عل المستوى العربي والمستوى الأفريقي . والسؤال : هل يمكن أن نتحرك في أردننا العزيز بنفس الاتجاه؟ و يكون شعارنا “تصنيع الأردن عام 2040 “ و نحل مشكلة الطاقة بنفس العقلانية العلمية التي تحركت بها ألمانيا و تسعى إليها مصر،أي بالطاقة الشمسية والرياح والصخر الزيتي و الفحم و تطوير النقل إلى السكة الحديد. فنضع تصوراتنا للمستقبل في وثائق واضحة وندعو علماءنا و شبابنا و أنفسنا و المستثمرين إليها.