أخر الأخبار
غزوة «باردو».. ماذا قَبْل؟
غزوة «باردو».. ماذا قَبْل؟

لن تتوقف الاسئلة والجدل، حول الاسباب والمبررات والدوافع التي اسهمت في «نجاح» العملية الارهابية التي استهدفت المتحف التاريخي والجميل والغنّي بمحتوياته.. «باردو»، في تونس العاصمة، وكيف استطاعت خلية «نائمة» مكونة من مجرد اثنين، أحدهما جامعي يعمل في وكالة سياحة وسفر وآخر كان يستعد لامتحان البكالوريا (التوجيهي) أن تصيب نجاحاً مماثلاً في التخفي طوال هذا الوقت قبل ان تضرب ضربتها المؤلمة، ما لبث تنظيم داعش ان تَبنّى العملية معتبراً اياهما «.. فارسان من.. فرسان الخلافة».
بالتأكيد لم تكن العملية وليدة الصدفة أو نتاج حماسة آنيّة استبدت بشابين ودفعتهما الى ارتكاب هذه المذبحة، بل ثمة مؤشرات رسمية، بأن المتحف قد تمّت مراقبته من قِبَلِ مجموعة استطلاع تابعة لداعش، واظبت على استكشاف المكان طوال ثلاثة اسابيع الى ان حانت ساعة الصفر، وكان ما كان.. الأمر الذي يَفرِض وبالضرورة عدم الوقوف فقط عند «عدد» الذين سقطوا ضحايا وجرحى هذه الجريمة البشعة على أهمية ذلك، بقدر ما يستدعي العودة الى المناخات التي سادت تونس منذ أربع سنوات عندما «هبّت» من اراضيها رياح الربيع العربي الذي ظن كثيرون - سذاجة او حماسة او يأساً مما آلت اليه أحوال أمتنا.. دولها والشعوب، من جمود وهزائم وقمع وتنكيل وتبعية وفساد وخروج من التاريخ والجغرافيا - أنها ستكون رياح «تلقيح» وتغيير وبداية نهوض من كبوات طالت وخيبات امتدت ونكسات توالت، فإذا بنا - والتوانسة - أمام خريف دموي، قبض فيه الاعداء وخصوصاً اتباعهم وخدمهم من جماعات الاسلام السياسي واولئك الذين مكثوا طويلاً في اوكارهم وجحورهم عندما هجروا «ارض الكفر» وكمنوا، كي يشنّوا (جهاداً) على ارض الكفر هذه، مستندين الى فكرهم الجهادي السلفي المتخلف وتفسيراتهم التي تغرف من معين الجهل والبؤس، فراحوا يحرقون الاحياء ويُقطّعون الرؤوس ويسبون النساء ويهدمون المساجد والجوامع والكنائس، وينسفون المقابر والمقامات والآثار في هجمة هوجاء تتواضع أمامها هجمات المغول والتتار والاستعمار الغربي سوى الاستعمار الصهيوني الإحلالي الاستيطاني البغيض.
لم يكن إلتجاء القتلة والجهاديين المزعومين الى جبل الشعانبي وهجماتهم المتكررة على الجيش واعوان الأمن التوانسة، سوى بداية لتمركزهم في هذه البلاد التي عُرِفَ شعبها بطيبته وسماحته، لكنه ابتُلي بنظام فاسد ومفسد وبوليسي، أسهم -عن وعي وقصدية- في زيادة اغتراب الشباب ويأسهم ومَنَحَ رياح إسناد لمجموعات التطرف والقتل وخصوصاً اصحاب الفكر السلفي الجهادي الظلامي كي يجذبوا هؤلاء الشباب ويجندوهم لخدمة مشروعهم الدموي، الذي لا صلة له بالاسلام ولا بأي من مذاهبه المعروفة.
هنا والان.. يجب عدم إغفال الدور المشبوه والقذر الذي لعبه مدّعي الديمقراطية والمدافع المزعوم عن حقوق الانسان، الذي جيء به هو الاخر عن قصد وبتخطيط إن لم نقل بتواطؤ، بين حزب النهضة الاسلاموي والدوائر التي احتضنت محمد المنصف المرزوقي طوال مكوثه في اوروبا وخصوصاً باريس، «متأبطاً» صفة المعارض الديمقراطي (...) لنظام بن علي، كي يرأس تونس الجديدة.
قام المرزوقي بما أُوكِل اليه من مهمة وبدلاً من منح اولوية لمصالح شعبه وتركيز اهتمامه على تفكيك بنى النظام القائم الفاسدة والمتهالكة والبوليسية وتحسين مستوى معيشة غالبية التوانسة المُفقّرين، زيّن لنفسه - أو زُيّن له- أنه مُحرِر العرب في القرن الجديد، ما بالك ان الثورة «الاولى» انطلقت من تونس فبات «الرجل» أم الصبي، ولهذا راح يُهاجم النظام السوري ويدعم الثوار في بلاد الشام، ولم يتوقف - هو والغنوشي بالطبع - عند هذا الحد، بل انخرط في عضوية مجموعة «اصدقاء سوريا»، وقام باستضافة أحد اجتماعاتهم، واقفاً على المنصّة «مُنظِراً» وواعظاً، مُستنسِخاً دور صديقه المفضل وضيفه الاثير، اليهودي برنار هنري ليفي، ودائماً وابداً.. مُشجِعاً وداعماً لقوافل «المتطوعين» التوانسة الذين ذهبوا لاسقاط النظام السوري ونصرة الشعب السوري وإحياء دولة الخلافة (...) الجديدة في بلاد الشام.
هذه هي المناخات التي سادت قبل «غزوة باردو» وتوالت وقائعها وفق اجندات مُبرمَجة، تستفيد من الاجواء وطبيعة التحالفات وخصوصاً الخلافات والمواجهات والانقسامات وزيادة الاحتقانات التي شجّع عليها المرزوقي والغنوشي، الى ان اغتيل شكري بلعيد ثم تبعه محمد البراهمي واستهداف الجيش والتفجيرات والاغتيالات، محمولاً ذلك كله على ما يحدث في الجارة الشرقية (ليبيا) التي تحوّلت الى ميدان تدريب وتسليح وتمويل لكل المنظمات الارهابية المارقة.
وسط ذلك كله بل وبسببه.. هل ثمة مَنْ يَستغرِب حدوث أو تكرار مثل هذه الوحشية الآخذة في التضخم والانتشار؟
اسألوا عن «حلفاء» ونماذج.. المرزوقي إذاً.