قد يكون فوز بنيامين نتنياهو في انتخابات الكنيست العشرين، بمثابة الصعود إلى قمة الشجرة، أو كمثل الفوز بجائزة آخر المشوار، أو كمثل تناول قدح من النبيذ، قد يكون تناوله مثيرا، لكن عواقبه قد تكون وخيمة أيضا، وحيث إن ذلك الفوز جاء بعد أن ألقى الرجل بكل أوراقه على طاولة «المقامرة الانتخابية» حيث اندفع في تحديه للإدارة الأميركية إلى أبعد مدى، حين أصر على إلقاء خطابه الإشكالي في الكونغرس من وراء ظهر البيت الأبيض، متضمنا الانتقاد الحاد لسياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه إيران في وقت كانت فيه الأطراف الدولية تفاوض طهران على التفاصيل النهائية للاتفاق الذي يضع حدا لتوتر دولي مع إيران حول برنامجها النووي، وحين شعر رئيس حزب الليكود أن هناك خطرا حقيقيا يهدد فرصته في البقاء في منصبه، اندفع بشكل جنوني وسافر في دعايته الانتخابية، لدرجة التبني الكامل لشعارات المستوطنين، بإعلان الرفض القاطع لإقامة الدولة الفلسطينية ولحل الدولتين، وعرض اللغة العنصرية ضد مواطني الدولة الإسرائيلية من العرب/ الفلسطينيين.
أي أن كل ما تميز به نتنياهو خلال سنواته الماضية من مراوغة والتفاف وكذب، أضطر للتراجع عنه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، فظهر سافرا وواضحا، وبعد أن واصل محاولته مسك العصا من الوسط، حين شكل الحكومة السابقة، بعد انتخابات الكنيست التاسعة عشرة، سنة 2013، بين حزبي البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا (نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان) من جهة، وحزبي ييش عتيد (يوجد مستقبل) والحركة (مائير لابيد وتسيفي ليفني)، اضطر بعد عامين للاختيار بين الوجهتين أو القوتين، فأختار اليمين المتطرف، واخرج لابيد وليفني من الحكومة، ما فتح الباب للانتخابات المبكرة.
عمليا لم يتغير الشيء الكثير على تركيبة الكنيست الجديد، وإن كان التجديد اظهر قوة اكبر لليكود والبيت اليهودي على الجانب اليميني، أي تعزيز قوة التطرف في اليمين، فقد اظهر بالمقابل تماسكا لليسار والعرب، فقد عاد حزب العمل كقوة كبيرة مجددا، كذلك توحد العرب، على برنامج مواجهة التطرف العنصري اليميني الإسرائيلي، لكن المستجد المهم أيضا هو ازدياد حدة الاختلاف بين واشنطن وتل أبيب، على خلفية خطاب نتنياهو في الكونغرس ودعايته الانتخابية.
أول المشاكل الناجمة عن فوزه بالانتخابات التي سيواجهها نتنياهو هي التنافس حول الغنائم الوزارية بين حلفائه، فقد أعلن عن أن ليبرمان، وزير الخارجية السابق يطالب بواحدة من الوزارات الرئيسية، وتحديدا الأمن (الجيش) وحيث إن مشاركة موشيه كحلون في الحكومة تتطلب منحه وزارة المالية، في الوقت الذي من المرجح منح بينيت الخارجية فإن منح ليبرمان الأمن يعني أن الليكود لن يشغل أيا من تلك الوزارات الرئيسية الثلاث، وهكذا فإن أول تراجع سيكون على حساب ليبرمان، بعد أن صار البيت اليهودي في هذه الانتخابات هو الحليف الأول لليكود، أي انه اخذ مكانة ليبرمان سابقا، لكن منح الخارجية لبينيت لا يبدو انه كاف للبيت اليهودي، الذي يدرك قيمة مصوتيه الذين لم يمنحوه المقاعد الثمانية فقط ولكنهم منحوا الفوز لليكود، ونقصد أصوات المستوطنين، لذا فهو يطالب بأن يتضمن برنامج الحكومة نصا صريحا يقضي بالتزام نتنياهو منع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وذلك من خلال اتخاذ قرار بضم 60% من أراضي الضفة الغربية والقدس.
التنافس بين بينيت وليبرمان لا يقتصر على مطالبة كليهما بحقيبة الجيش، ولكن بسعيهما معا إلى تضمين برنامج الحكومة خطوطا حمراء ضد إقامة الدولة الفلسطينية وضد حقوق المواطنة للعرب/ الفلسطينيين من مواطني الدولة، وذلك انسجاما مع دعايتهم جميعا الانتخابية، بل وانسجاما مع الهدف من وراء فضهم للشراكة مع لابيد وليفني السابقة والتوجه للانتخابات المبكرة.
بالطبع رضوخ الليكود ونتنياهو لمثل هذه الخطوط العامة في برنامج الحكومة القادمة سيعني اندفاع الجانب الفلسطيني في متابعة جهوده في الأمم المتحدة، كذلك انطلاق موجة كفاح ميداني في كل جبهات المواجهة بين الجانبين، بما في ذلك جبهة المواطنة داخل إسرائيل نفسها.
كذلك سيعني ذلك ازدياد حدة العزلة الدولية التي قد تصل لدرجة التحول في الموقف الأميركي الذي قد يشهد تراجعا نوعيا عن التأييد التلقائي لإسرائيل في المحافل الدولية، خاصة فيما يتعلق باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن أو ضد تحديد سقف لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية استنادا لحدود العام 67.
حينها يمكن القول ان الليكود ونتنياهو قد فازا في الانتخابات لكن إسرائيل خسرت بفوز اليمين الكثير، ما سيدفع اليسار والوسط إلى البدء في ممارسة المعارضة القوية على هذه الخلفية السياسية، وذلك داخل الكنيست وفي الميدان، حيث يجب ألا ينسى احد أن «ربيعا إسرائيليا» قد لاحت بوادره قبل سنوات، وان التجمع في تل أبيب قبل أسابيع من إجراء الانتخابات كان قد أعلن وجود إسرائيل ثانية، أو انه اظهر الانقسام داخل إسرائيل، بين يمين يتعمق توجهه نحو إسرائيل الثانية/ الاحتلالية، دولة المستوطنين، ودولة إسرائيل 48 بحدودها التي يعترف بها المجتمع الدولي. بما يفرض على الحكومة الإسرائيلية العودة لممارسة الكذب مجددا ولسياسة المراوغة، حيث قد لا يمضي الكثير من الوقت لانفراط العقد الحكومي، وربما تسجل إسرائيل رقما قياسيا في قصر عمر الكنيست العشرين، خاصة وان الرئيس الأميركي الديمقراطي ليس لديه ما يخسره، في ولايته الثانية وقبل نحو عام ونصف العام من الانتخابات الأميركية القادمة، حيث يمكن للديمقراطيين أن يجدوا في الموقف من اليمين الإسرائيلي نقطة الافتراق أو إحدى مواد الدعاية الانتخابية في مواجهة الجمهوريين، الذين بدعوتهم عبر الكونغرس لنتنياهو لإلقاء خطابه العتيد فتحوا أبواب المواجهة الانتخابية مبكرا.