اين يضع الأردن “ اقدامه” في هذه المرحلة؟. قبل الإجابة استأذن بتحرير مسألتين : الأولى ان المشكلة بالنسبة لنا لا تتعلق بالاختيار بين متناقضين احدهما العلاقات مع ايران والآخر العلاقات مع عالمنا العربي الذي يشكل مجالنا الحيوي، وهذا تبدو محسوما باتجاه العمق العربي باعتباره اولوية سياسية وامنية(وجودية ادق)، اما المسألة الاخرى فهي تشكك في الاساس الذي الذي انطلقت منه الفرضية الاولى، ذلك ان اقامة علاقات متوازنة مع الاطراف الفاعلة في المنطقة (ومن ضمنها ايران) على قاعدة التنوع في الخيارات لا تتناقض مع انضمام الاردن لاي تحالف عربي يتقاطع مع المصالح الاردنية، وبالتالي فان بمقدورنا ان نفصل بين موقف يسعى الى فتح “خط” مع ايران وبين موقف آخر يستجيب لما قررته القمة العربية فيما يتعلق بالقوة المشتركة ويشارك في عملية “الحزم “ التي تقودها المملكة السعودية ضد الحوثيين المدعومين من طهران.
المشكلة بالنسبة للاردن ليست هنا، وانما في ترتيب الاولويات على صعيد تحديد الخطر الذي يجب مواجهته، وهنا يبدو ان ثمة مسارين في عالمنا العربي، احدهما اتجه نحو اعتبار ايران هي الخطر الاول، وبالتالي لا بد من التصدي له من خلال اضعاف وكلائه في المنطقة( الحوثيين اولا)، اما المسار الآخر الذي يتبناه الاردن فهو اعتبار الارهاب الذي تمثله داعش هو الخطر الذي يتوجب ان يكون اولوية للقوة العربية المشتركة او لاي تحالف عربي يمكن ان يتشكل في هذا الاطار.
في التفاصيل يبدو المشهد اكثر تعقيدا، فالدول العربية التي انحازت لمواجهة النفوذ الايراني في اليمن، لها مواقف مختلفة من التمدد الايراني في سوريا والعراق، فهي تعتقد - من باب تقدير المصالح - ان النسخة الايرانية في اليمن اخطر من النسخ الاخرى التي توزعت في سوريا ولبنان والعراق، وبعضها يلتقي مع تركيا وقطر في هذا التصور وبعضها يختلف معهما، كما ان الدول العربية التي شاركت في التحالف الدولى ضد تنظيم “داعش” تعتقد ان هذا التحالف كان مقلوبا وهشا، وبالتالي فان نتائجه متواضعة، كما ان جدوى استمراره في غياب “حلول سياسية” ترفع المظلومية التي يتعرض لها “السنة” في العراق تحديدا تبدو ضعيفة، ومن المفارقات هنا ان انصار تحالف الحرب ضد النفوذ الايراني يشعرون بالتهديد من تمدد داعش رغم ان اهدافهم تتقاطع مع اهداف هذا التنظيم الذي يتبنى فكرة الحرب على الروافض ويطرح نفسه مدافعا عن اهل السنة في العراق وسوريا.
سؤال المصلحة الاردنية هنا يجب ان يكون حاضرا لتحديد تجاه بوصلتنا في هذه المرحلة ومستقبلا، وهنا يمكن ان نلاحظ ان اولوية الحرب ضد الارهاب ما تزال تتصدر اجندتنا الوطنية، الا اننا لا نستطيع ان نقوم بهذه المهمة وحدنا ، ولا نضمن ان يستمر التحالف ويبقى متماسكا، كما ان مصادر الارهاب اصبحت متنوعة ومتحركة ولها عناوين مختلفة، وبالتالي فان كل دولة تذهب الى العنوان الذي تراه يشكل خطرا على مصالحها، كما نلاحظ ثانيا- ان التحالفات العربية اصبحت متحولة وغير مستقرة، كما انها تتعرض في مجالها الاقليمي والدولي لاشتباكات وتجاذبات تؤثر عليها، لدرجة انها تبدو احيانا متناقضة؛ ما يصعب معه اتخاذ اي موقف حازم تجاهها، ويلاحظ ثالثا- ان القوى الدولية لا تزال مترددة وغير جادة في مواقفها ، سواء تجاه الحرب على الارهاب او تجاه امتداد النفوذ الايراني ، او حتى تجاه الصراع العربي الاسرائيلي، وبالتالي فان تبني اي خيار بالنسبة للاردن يظل معلقا بانتظار وضوح الموقف العربي والاقليمي والدولي من الملفات الساخنة في المنطقة، وهو غير واضح حتى الان.
في اطار هذه الخلفية امام الاردن مساران ( اضطراران ان شئت) : الاول يتعلق بالداخل الوطني، إذ لا بد من انضاج حالة “توافق” وطني تشكل رافعة وظهيرا لاي خيار تتبناه الدولة، كما لا بد من تقوية الجبهة الداخلية وتحصينها لمنع اي اختراق يستهدفها، اما المسار الثاني فيتعلق بتحديد اولوياتنا الوطنية في المرحلة المقبلة، وعلى اساسها يمكن ان نبني خياراتنا بشكل متوازن ومتنوع بحيث ننأى بانفسنا عن الوقوع في “فخ” الاستقطابات ، او الانحياز الى تحالفات رملية،مع ضرورة الحفاظ دائما على علاقات وطيدة مع عمقنا العربي، والتركيزعلى اهمية الحلول السياسية كمخرج للازمات بدل / او في موازاة الحلول العسكرية المكلفة وغير المضمونة.
باختصار، الارضية التي يجب ان نضع اقدامنا عليها هي “المصلحة الاردنية”، فالمنطقة من حولنا تشتعل ومن المتوقع ان تستمر في اشتعالها لسنوات طويلة مقبلة، فنحن -كما ذكرت اكثر من مرة - امام انفجار “التاريخ” الذي سيمتد الى انفجار جغرافي ديني واجتماعي وسياسي، وعلينا ان ننتبه لمواطئ اقدامنا لكي لا تأخذنا حسابات ردود الافعال الى مفاجأت لا نريدها ولا تخدم مصالحنا..ذلك ان الاهم هو ان نحافظ على وجودنا في منطقة اصبح وجودها في مرمى الخطر.