بنيت الدولة الأردنية في زمانٍ كان مليئا بالأحلام القومية و التطلعات الوحدوية فالتاريخ يبين بأن الأمير عبدالله جاء محرراً لسورية ولكن ضربة ميسلون وصفت في حينها بأنها كانت « حادة « وفوق طاقة عرب المشرق العربي ؛ ولكن بقي هذا الخطاب و الدعوة جزءاً من الخطاب السياسي للإمارة التي بقيت على اتصال مع كافة شرائح المجتمع السوري.
والتأمل في الحكومات الوطنية في عهد الإمارة يبين أنها احتضنت دعاة القومية و الوحدة العربية فكثير من سياسي في المنطقة مر بإمارة الشرق العربي قبل أن يغادر إلى سورية أو لبنان أو إلى بلده , بقي الأمير عبدالله بن الحسين متطلعاً إلى شعوب المنطقة بحتمية حاضره الذي كان يعمل و ينشد و يكتب للوحدة.
وقبل القضية الفلسطينية عام 1948م كانت هموم المشرق العربي واحدة و عنوانها واحد هو « الوحدة « ؛ ولكن ضربتي سايكس بيكو و وعد بلفور تحققتا بلا حسبان للمشاعر العربية التي أبرز ما تكون ساطعة في وثائق لجنة كراين الأمريكية (1920م ) التي عبرت عن مقررات المؤتمر السوري العام الذي أعلن المملكة العربية السورية (1920م ).
لاحقاً تسارعت الأحداث و بقي هذا الوطن على قيود الإستعمار عنيداً في خطابه السياسي متبنياً قضية المشرق العربي ومشاريعه و هموم إنسانه و تحفل الوثائق الهاشمية بالكثير من مراسلات الملك المؤسس مع مختلف شرائح المجتمع العربي و خصوصاً الجوار الأردني و المجال الحيوي.
و المراسلات الهاشمية كانت تتجاوز التعابير الطائفية التي استغرقت هذا الزمان و تواصلت حتى أن الانتداب الفرنسي كان قلقاً منها و يمارس ضغوطاته على لندن لأجل الحد من التحرك الأردني في تبني البرامج الوطنية ؛ وبقي الموقف الأردني ثابتاً في دعم رؤى الشعوب العربية , ودفع ثمناً كبيراً لذلك منها تأخر استقلاله حتى عام 1946م و منح سورية و لبنان استقلالهما , وتأخر انضمام الأردن إلى جمعية الأمم المتحدة وذلك حتى تبقى السياسة الخارجية الأردنية تحت سلطة الانتداب.
وحين تبدلت الظروف عشية الحرب العربية الإسرائيلية (1948م) لم ينشغل الأردن عن فلسطين فعلاوة على استبسال الجندي الأردني كان قرار ضم الضفة الغربية مقدمة لتشابك الأردن مع جيرانه العرب الذين كانوا لا يريدون لهذا الوطن أن يكبر , وكلما ارتفعت وتيرة النقد العربي لهذا القرار بقي الملك عبدالله المؤسس يعتبر أن الضفة الغربية لا يجب أن تترك مفتوحة أمام الخطر الصيوني و أن نجد مأوى للاجئين حتى لا يبقوا في العراء , وتواصلت مسيرة الأردن على ما واجه الملك الحسين من علل ذلك الزمان وأحلامه التي تبدلت وأخذت العرب إلى زمان النكسة 1967م.
ما ذكر أعلاه هو بعض من نزر كبير من الرصيد الأردني و متوالية التاريخ التي يحاول البعض التغاضي عنها , أو يريد جبها و تجييرها للماضي بلا حاضر , و لكن النهر يجري نحو البحر يبقى مخلصاً لنبعه , و تصريحات وزير الدولة لشوؤن الإعلام الدكتور محمد المومني الأخيرة بشأن دور أردني في الأزمة السورية تأتي في سياق صيرورة التاريخ و إلحاح الظروف المحيطة فالأردن بني على أساس الخطاب القومي العربي , و الأردن يتمتع بشرعية دينية , و الأردن يمتلك الرصيد الذي لا يجعله ينكفئ على ذاته بانتظار النتائج أو يبقى يتأمل استغاثات الشعب السوري , و الدور الأردني هو بحجم المصلحة العربية و بقدر الاستغاثات التي باتت تتجاوز الأهات و الضمير العربي حيال موسم الأصولية , و الزمان الخاوي إلا من جعجة لا تبني أوطاناً و إنساناً.