فيما يواصل عرب اليوم التثاؤب والتلعثم ويبدون كمن فاجأهم تفاهم لوزان «الاطاري»، ولاذ معظمهم بالصمت في انتظار ما ستسفر عنه مواجهات الشهرين المقبلين (حتى نهاية حزيران القريب، بما هو موعد التوقيع على الاتفاق النهائي) بين اعضاء مجموعة 5+1 وخصوصاً داخل الولايات المتحدة (وسائل الاعلام والكونغرس واركان البيت الابيض) مضافاً اليهم اسرائيل وانصارها من جهة وايران ومَنْ الى جانبها من جهة ثانية..
نقول: في خضم ذلك كله، تنهمك عواصم اقليمية ودولية في مراجعة واعادة قراءة المستجدات الاخيرة التي يمكن ان تشكل بداية مرحلة اقليمية جديدة، تتراجع فيها انظمة وتسقط حكومات، فيما يتقدم بعضها ويزداد غيرها قوة ونفوذاً وتأثيرا، الأمر الذي يمكن ملاحظته في عديد من الخطوات و»الرسائل» السياسية والدبلوماسية التي ترسلها عواصم اوروبية واخرى اقليمية مهمة في اتجاه طهران، رغم ان المدة التي تفصلنا عن 30 حزيران الوشيك (توقيع الاتفاق النهائي) تبدو «طويلة»، بمعنى ان جهود ومحاولات نسف هذا الاتفاق او عرقلته او حتى دفنه يمكن ان تصيب نجاحاً في الوقت ذاته، التي يمكن ان تكون حظوظها في الفشل كبيرة ايضاً، والذين يعملون على افشال تفاهم لوزان او اعلان سويسرا (كما يصفه الايرانيون) واضحون تماماً (رغم انهم كما يظهر في العلن على الأقل، على جانبي متراس العداء) نقصد بعض العرب واسرائيل، وهو أمر يمكن تفهمّه اسرائيلياً، فيما يصعب استيعابه عربياً وبخاصة هذا الاصرار العربي على
إحداث قطيعة كاملة ونهائية مع ايران التي ليست جاراً طارئاً على اي حال، ولا يمكن شطبها من المعادلة الاقليمية سلباً او ايجاباً، يستدعي طرح - والبحث عن - مقاربة واقعية تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة وعلاقات الجوار (في حدّها الادنى على الأقل) ناهيك عن محاولة فتح باب حوار معها في شأن متطلبات وثوابت الموقع الجيوسياسي العربي في الخريطة الاقليمية الجديدة الآخذة في التبلور والبروز رغم كل محاولات النفي والنفي المضاد التي هي في الحقيقية ليست سوى دفن للرؤوس في رمال المنطقة المتحركة بل المحروقة بلحم الشعوب العربي «الحيّ»..
هنا يبرز الدور الذي تلعبه اسرائيل، في هذا الشأن، والذي لم يتوقف لِلحظة منذ اثنتي عشرة سنة في بعده الاستراتيجي, وإن أخذ اشكالاً متعددة، تبلورت في النهاية في الجهد المكثف والمواظِب والدؤوب بل المُبتزّ والاستعلائي الذي لعبه بنيامين نتنياهو والذي استطاع أن يضع ملف البرنامج النووي الايراني على الاجندة الدولية (اجندة كبار العالم في واقع الحال)، وأن يُضخّم من خطر القنبلة النووية الايرانية (غير الموجودة اصلاً) ما أسهم في إرباك واحراج (هل نقول اذلال؟) معظم قادة العالم الحرّ الذين ابدوا استخذاء واضحاً واستجابة لافتة لابتزاز اسرائيل وارهابها السياسي والدبلوماسي تحت طائلة الذهاب «منفردة» في حرب مع ايران لضرب منشآتها النووية الذي يعلم الخبراء أنها عاجزة عن فعل ذلك بدون مساعدة «جوهرية» من الترسانة الاميركية (دع عنك حكاية الضوء الاخضر الذي يجب ان تحصل عليه من ساكن البيت الابيض).
ما علينا..
يراهن نتنياهو على عرقلة تفاهم لوزان الاطاري، وهو يُسرّب عبر قنوات عديدة خصوصاً اعلامية ودبلوماسية ان الخيار العسكري لم يسقط عن الطاولة (الاسرائيلية) وكان سبق ذلك اعلان المجلس الوزاري المصغر (رغم ان ولاية الحكومة الحالية منتهية)، رفضه لهذا التفاهم، دون ان يفقد الأمل في عدم السماح لمنتدى الستة + ايران بالوصول الى جنيف في 30 حزيران المقبل للتوقيع على الاتفاق النهائي بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية.
هل قلنا رفع العقوبات؟
نعم.. فهذه المسألة هي واحد من اسئلة سبعة «غرّدها» نتنياهو لـِ»المجتمع الدولي» طالبا اجاباته عليها والهدف هو احراج «المُتفاهِمين» في لوزان ودفعهم للبحث عن اجوبتها قبل السقوط في «فخ» التوقيع النهائي، من قبيل لماذا سيُسمح لايران بمواصلة تطوير أجهزة طرد مركزي اكثر تطوراً من الاجهزة التي تمتلكها؟ وماذا سيكون مصير مخزون اليورانيوم المخصّب الذي تمتلكه ايران؟ ثم: كيف يوافق المجتمع الدولي على رفع معظم القيود عن ايران إذا واصلت دعم الارهاب؟ وتابع نتنياهو تغريداته على حسابه الشخصي في «تويتر» الى ان انتهى بسؤال مثير: ما الذي سيمنع ايران من صرف مائة مليار دولار سيُفرج عنها في اطار الصفقة لتمويل الارهاب في العالم العربي؟
«قلب» نتنياهو على العالم العربي وهو الذي طالب المجتمع الدولي بعدم التوقيع على اي اتفاق مع ايران, قبل اعترافها بحق اسرائيل.. «في الوجود»، لكن اين قلوب العالم العربي وعلى مَن هي حريصة او خائفة؟