أخر الأخبار
حرب اقليمية باردة
حرب اقليمية باردة

للحروب الباردة تعريف أشمل من ذلك الذي حصرها في العقود الماضية بين الغرب الرأسمالي والاتحاد السوفييتي وهوامشه الماركسية، وهناك على سبيل المثال حروب أهلية باردة في المجتمعات ذات التضاريس الطائفية والمذهبية والتي تنتظر حاضنة مناسبة للانفجار، فالهجوع ليس فقط لما يسمى الان في الحرب على الارهاب الخلايا النائمة، انه ايضا يشمل هويات وانتماءات طائفية تتغذى من تثقيف غير معلن، وقد يكون التفسير الجيولوجي اقرب وأدق من التعبير السياسي عن هذه الظاهرة، ففي الجيولوجيا لا تندلع البراكين الا اذا وجدت قشرة هشة في الارض، وهذا ما يحدث في الحروب الاهلية الباردة، حيث ما كان لها ان تندلع وتصبح ساخنة في الاتحاد السوفييتي الا عندما بلغ خريفه السياسي وبدأ يتفكك، وهذا ما تكرر في العراق بعد احتلاله لكن على نحو مغاير الى حدّ ما .
ما اعنيه بالحرب الاقليمية الباردة هو باختصار هذا الصراع المحكوم بالمدّ والجزر تبعا لموازين القوى بين اربعة اطراف في الشرق الاوسط، هي العرب واسرائيل وتركيا وايران، واذا كانت ايران وتركيا قد اصيبتا بنوستالجيا الحنين الى الامبراطوريات، فإن اسرائيل ذات العمر السياسي الذي يقل عن عمر ابناء جيلنا لديها نوستالجيا معكوسة وهي الحنين الى امبراطورية قادمة وليس استعادة فردوس مفقود .
والعرب ليسوا ضيفا عابرا في هذا الاقليم، او مجرد كومبارس على مسرحه السياسي، انهم يشكلون بمجموعهم الكثافة الديموغرافية الاكبر، والمواقع الأهم وها هم يقتربون من النصف مليار ولهم لغة واحدة وذاكرة قومية واحدة ونشيد واحد ايضا، بحيث تبدو هذه المرحلة التي شهدت افراطا في الخصخصة في كل المجالات بدءا من الاقتصاد حتى الهوية مجرد جملة معترضة في كتاب، لأنهم عاجلا او آجلا سيكتشفون ان بقاءهم فرادى يتيح الاستفراد بهم واحدا بعد الاخر، وحكاية الثور الابيض محفوظة عن ظهر قلب لدى كل من يدرك بأن دوره في الطابور امام المسلخ قادم لا محالة ولو بعد حين !
وشاع قبل اعوام ان العرب هم الرجل المريض المسجى على مائدة ذات ثلاث قوائم، وانهم سيصبحون غنائم تقتسمها ثلاث قوى في الاقليم، وما غذّى هذه الاشاعة الخرقاء هو الناس وتعاقب حالات الاحباط التي اصابت العرب بماسوشية من اعراضها التلذذ بهجاء الذات وتقريع الهوية والتاريخ.
ما يفرض على العرب الان حدا ادنى من الالتئام ليس فقد الرغبة في ذلك بل الضرورات الدفاعية من اجل البقاء في التاريخ وليس على قارعته ورصيفه .
ان كل الحروب التي توصف بالباردة سواء كانت طائفية او اقليمية قابلة للتسخين والتبريد معا، لكن قرائن التسخين والغليان في حرب هذا الاقليم الباردة هي الارجح !