لميس أندوني
أخطر ما يمكن أن نكون قد وصلنا إليه هو فقدان الكلمات، بما فيها المواقف والوعود، أي معنى أو مصداقية. لا أحد يصدق أحدا، وكل شيء موضع الشك والسخرية؛ كلها مظاهر لانعدام الثقة بالحكومة وكل المؤسسات، من دون تمييز، لأن هناك شعورا عاما بالخديعة، وأن مستقبل الأردن قد يكون خارج قدرة قرارنا الشعبي وإطاره، والوطني والسيادي والوضع الإقليمي، خاصة الخوف من انقسامات طائفية وأثنية، للعالم العربي، جعلت الأردن يشعر أنه عرضة لتداعيات التسويات أو فشلها.
الناس خائفون من الحرب، وخائفون من الاختناق الاقتصادي والمعيشي، وخائفون من نذر العنف المجتمعي، تغذيهم معرفة مدى اعتماد الأردن على المنح والمساعدات والقروض، المسيسة والمشروطة، بل هناك ذعر من أن وجود الأردن نفسه رهن بمعطيات خارج حدود وارداته. لذا فإن الطمأنة، التي يتم إعطاؤها ليست كافية، إلا إذا ترافقت مع إجراءات بناء الثقة، فهناك أسئلة كبيرة وكثيرة لم تتم الإجابة عليها.
نعم الأردن، وهذا منطقي من منظور النظام ومصلحته، مع حل سياسي في سورية يحافظ على وحدتها.
قد لا يكون هناك أي حديث عن كونفدرالية بين الجانبين الأردني والفلسطيني، لكن ما هي خطة الأردن لمواجهة المخططات الإسرائيلية، فليس في الأفق دولة فلسطينية، مستقلة أو غير مستقلة، فما هو الموقف من الضغوط الأمريكية لإعادة الطرفين الأردني والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات بمساعدة أردنية، فيما تقوم إسرائيل بالضم الواقعي للمستوطنات، وحصر الفلسطينيين بقرى ومدن منعزلة ومعزولة عن بعضها بعضا.
المشكلة الأساس ليست في النوايا الأردنية والفلسطينية، بل في ضعف الطرفين، إذ يبدو كل منهما مكشوفا لضغوط وشروط، الدعم الغربي والأمريكي بشكل خاص، أي يكون بدور المتلقي لخطط مفاوضات وحلول تتجاوب مع المصالح الإسرائيلية والأهداف الإقليمية الأمريكية.
أتفق مع الرأي القائل أن جزءا كبيرا من النقاش الدائر حول الكونفدرالية تم توظيفه، ليس للتحذير من المخططات الإسرائيلية، بل إلى تغذية المخاوف بين الأردنيين. إن الجدل حول سورية، ومخاوف الحرب، تم استغلالهما، لتصفية حسابات داخلية، وإقليمية وطائفية، لكن سياسة المكاشفة هي السبيل لتخفيف الشكوك، فأمريكا تعلن عن تحركاتها في الأردن وحوله، وذكرى حرب العراق ما زالت حاضرة.
أي أنه يجب الاعتراف بأن هناك حالة توتر وعدم اطمئنان، تتطلب أكثر من تصريحات عامة، عدا أن انعدام الثقة له علاقة بالسياسة الداخلية، وليس فقط بالتطورات الإقليمية.
لا يمكن التقليل من فقدان مصداقية الحكومات والمؤسسات، فلا يوجد ثقة في الإجراءات الاقتصادية ولا في سيادة القانون؛ إذ إن غياب هذه المصداقية من أهم العوامل التي أدت إلى اهتزاز هيبة الدولة.
لكن هيبة الدولة لا تستعاد بحلول أمنية، ولا بفرض إجراءات تقشفية اقتصادية، تزيد من معاناة فئات شعبية واسعة، من دون حتى محاولة إيجاد حلول بديلة، أو وضع تشريعات، والقيام بخطوات تضمن الحقوق الاقتصادية. هذه كلها أمور مترابطة، فالحلول الأمنية لأوضاع جذورها سياسية، اجتماعية اقتصادية، تخلق الانطباع أن مفهوم هيبة الدولة لن يستعمل إلا كتهيئة لإسكات المعارضة لأية سياسات غير شعبية، سواء داخلية أو خارجية.
نعم هناك حاجة لسيادة القانون، ووضع حد لعمليات عنف وتهريب والاشتباك المسلح، لكن التجربة تشير إلى أن هناك خلطاً بين التعامل مع حالات أمنية والأزمات الاجتماعية الوطنية، وأن في بعضها أساليب لتكميم الأفواه.
المشهد جدا معقد، لكن بناء المصداقية نقطة البدء.