معن البياري
أصاب بشار الأسد، على الأرجح، لمّا قال للبنانيين زاروه قبل أسابيع، إِنَّ الأميركيين براغماتيون ومع الرابح أَخيراً. ولم يجانب الحقيقة معارضُه العتيد، رياض الترك، لمّا قال، قبل شهور، إن الموقفين الأَميركي والروسي من الانتفاضة في بلاده واحد، غير أَنَّ الأَميركيين أَذكى من الروس.
وللحق، فإن الوقوع على موقف واضح ومتماسك لإدارة باراك أوباما من الجاري في سوريا أَمرٌ عسير، وإِنْ يمكن القول إِنَّ صهاينة هذه الإدارة، في الاستخبارات والبيت الأَبيض والخارجية، يستطيبون هذا الحال الذي تتورَّط به سوريا، إِذ تتحطّم، جيشاً ومجتمعاً وقدراتٍ وإمكاناتٍ وعمراناً، على أَيدي أَبنائها، فليس من غبطةٍ أَبهج وأَحلى للولايات المتحدة من أَنْ يغرقَ هذا البلد العربي، المركزي والمحوري موقعاً ودوراً، في وحول صراع عويص، تحتاج سوريا عقوداً للنجاة من نواتجه.
وهنا، لا يُغفل البعد الإسرائيلي، المقيم دائماً في سياسة الدولة الاقوى في العالم، فالعصابةُ الحاكمة في تل أبيب، بتشكيلاتها الليكودية والمتنوعة، تستحسن استمرار الخراب والدمار في سوريا، وتشتهي أَنْ يدوم إِلى الأبد الاستشراس الراهن الذي يشنُّه الجيش السوري، بالمدفعية والراجمات والطائرات الحربية والبراميل المتفجرة وغاز السارين، ضد الشعب وثوّاره مدنيين وعسكريين.
في وسع محبي نظام الأَسد ممن تتواصل رطانتُهم في وصفه نظام مقاومةٍ وممانعةٍ، مستهدفاً في مؤامرة كونية كبرى، أَنْ ينتشوا بعجز واشنطن عن أَن تفرض تراجعاً في موقف موسكو، بل وبذهابها إِلى المطرح الروسي في الأَزمة، سيما في الإعداد لمؤتمر جنيف الذي لا تبدو بشأنه فروقٌ ظاهرةٌ بين رؤيتي الكرملين والبيت الأبيض.
وفي وسع المراقب أَنْ يلحظ أَنَّ أَكثر من خديعةٍ أَميركية سيقت في غضون المحنة السورية، منذ تأَخَّر كلام أُوباما عن وجوب رحيل بشار الأسد عن السلطة، وهو كلامٌ تأكد تالياً أَنه لبيع الأَوهام، بانتظار أَنْ تأتي مفاعيل الأَزمة بخلاصاتِها من تلقاء نفسها.
وفي الأثناء، لم تُبد واشنطن حماساً لفرض حظرٍ جويٍّ على طيران النظام، وهو مطلبٌ أَلحت عليه المعارضة المسلحة، ورأَت أَنَّ حظراً مثل هذا لو تمَّ لحمى آلاف المدنيين، ولساهم في تغيير المعادلة ميدانياً. وإِذ امتنعت واشنطن عن التجاوب مع مطلب إِقامة منطقةٍ عازلةٍ في الشمال، فإِنَّ هذه المنطقة صارت أَمراً واقعاً، بفعل تضحياتٍ جسورةٍ من الثوار والجيش الحر.
ولمّا نجحت الولايات المتحدة في لجم اندفاعة باريس ولندن باتجاه تسليحٍ نوعيٍّ للمعارضة العسكرية، فذلك يُسوِّغ الذهاب إِلى أَنَّ القرار الأَميركي في جوهره إِسرائيلي، لا يستعجل حسماً ولا يُحبّذ انتصاراً مبكراً للمعارضة، ولا يُمانع في بقاء نظام الأسد، متهالكاً ومترنحاً، أَطول مدةٍ ممكنة.
ليست الولايات المتحدة على يقينٍ من شكل النظام الذي سينجم في سوريا،بعد انقشاع غمة آل الأسد، وليست إسرائيل مطمئنةً تماماً من أَنَّ الهدوء الذي نعمت به بطاح الجولان، منذ اتفاقية سعسع في 1974، سيستمر بعد غيابِ العائلة الحاكمة في دمشق.
ومظاهر التطرف غير الخافية في تشكيلاتٍ معارضةٍ مسلحةٍ مقلقة، ووجدت واشنطن في قصة جبهة النصرة ذريعةً تبيعها كلما ثارت المطالب بإِعانة المعارضة بالسلاح النوعي والضروري، ووجدت في بؤس أَداء قيادات المعارضة، إِنْ في الائتلاف أَو سابقه المجلس الوطني، ما يُزوّدها بمسوّغات ليونتها الظاهرة في التعاطي مع إِشكالية الأَسد في الحل السياسي المزمع طبخُه في جنيف.
والطبخة هناك ستكون روسيةَ الخلطة والإعداد، بنكهةٍ أَميركية لزوم التزويق والتسويق.