أخر الأخبار
حروب وأزمات وإحصاءات.. ليبيا نموذجاً!
حروب وأزمات وإحصاءات.. ليبيا نموذجاً!

تقول وسائل الاعلام على لسان مبعوث الامم المتحدة الى ليبيا بيرناردينو ليون: إن أطراف «النزاع» الليبي توافقوا خلال الجولة الرابعة من مفاوضاتهم في مدينة الصخيرات المغربية على نحو 80% من مسودة الامم المتحدة المطروحة للنقاش.. ما يعني ان نحواً من 20 بالمائة من الخلافات هي التي بقيت «مرميّة» على طاولة النقاش, الذي يبدو انه مرشح للامتداد الى اكثر من جولة وربما يفشل في النهاية، بعد ان لم تستطع كل الوساطات المُعلن منها والخفيّ، اقناع افرقاء الازمة الليبية المتفاقمة والمتدهورة وخصوصاً المُقلقة لجاراتها الشمالية (اوروبا) كونها باتت «محطة» الانتظار وانطلاق «المهاجرين» الى بلاد الرخاء الاوروبي من قِبَلِ المُشردين واليائسين والفُقراء الباحثين عن فرصة عمل أو هروب من حروب اهلية وانظمة قمعية وتنظيمات تكفيرية وغيرها الكثير من الاسباب التي تدفع بكل ابناء الجنوب الفقير والمعتّر (على ما يقول اللبنانيون)، للحلم بالجنة الاوروبية التي في نظرهم ما تزال «ارحم» من اوطانهم بعد أن غدت الاوطان مزارع للفساد ونهب الثروات والديكتاتوريات البوليسية والمذابح والحروب الاهلية، وخصوصاً تلك الطائفية والمذهبية التي تفتك ببلاد العرب والمسلمين والتي باتت العنوان الابرز للصراع بين فسيفساء هذه الأوطان، التي كان تعدّدها العرقي والديني والثقافي يُشكّل اثراء لها وحصانة ضد محاولات بث الفتن والنزاعات والاحتقانات, الا انها باتت الان نقطة الضعف الكبرى او «كعب اخيل» المجتمعات العربية والاسلامية التي تعيش شعوبها في شقاء مزدوج (إن جاز التعبير) شقاء إبتلائها بأنظمة فاسدة ومُفسِدة ورجعية في التفكير والمقاربة وآليات الحكم والمناهج الدراسية ومحاربة كل ابداع ثقافي او فكري او بحثي, وشقاء آخر نتيجة هيمنة جماعات التكفير والارهاب واحزاب الاسلام السياسي, التي تراهن على بساطة الشعوب وتدينها الطبيعي، كي تأخذها الى مربعات التخلف والتصحر الفكري والعيش في الماضي وأوهام الخلافة والتمسك بالمقولات التي لا تصلح لعصرنا بافتراض صِحّتها اصلاً..
هي ليبياً اذاً.. نموذج صارخ على ما آلت اليه الامور في الهضبة الافريقية بعد ان استخدم الغرب الاستعماري كل ما توفرت عليه ترسانته العسكرية وارشيف أجهزته الاستخبارية وتفوقه التكنولوجي محمولاً على حملة اعلامية منسقة الاهداف والغايات شاركت فيها جهات عربية بحماسة لافتة بل مشبوهة, الى ان اسقطت نظام العقيد القذافي الذي لا يمكن استثناؤه من مسؤولية ايصال ليبيا الى راهنها المتدهور، بمشاركة فاعلة من قوى وشخصيات وهيئات ليبية ظن كثيرون أنهم يتوفرون على رؤى ومقاربات وخِطط لإقالة ليبيا وشعبها من ارتكابات القذافي وديكتاتوريته, فإذا بنا أمام نموذج عراقي آخر ولكن بتجربة وتسييس وخبرة متدنية تقترب من حدود السذاجة, ما أوقع الجماهيرية (السابقة) في دائرة الميليشيات والتنظيمات الاسلاموية ذات الخبرات السابقة في افغانستان والبوسنة والشيشان, على نحو لم يجد فيه الليبيون ضوءاً في نهاية نفق الدعم الخارجي غير المسبوق بالسلاح والعتاد والاموال المتدفق من عواصم غربية وخصوصاً عربية.
ماذا عن الاحصاءات؟
الانباء الواردة من ليبيا تقول أن عدد النازحين والمهجّرين (اقرأ المُشردين) في ليبيا يزيد على نصف مليون نسمة, واذا اضفت اليهم عدد الميليشيات المتقابلة في المتاريس وساحات المعارك, فإن الشعب الليبي بأسره واقع تحت النيران بهذا الشكل أو ذاك, دون إهمال مقارفات وارتكابات داعش ضد المسيحيين الاقباط (المصريين) قبل شهرين وضد المسيحيين الاقباط (الاثيوبيين) هذه المرة, حيث تزامن «ذبح» الاثيوبيين الاقباط مع «موت» سبعماية «مُهاجر» كانوا على متن عبارة متهالكة, حملتهم من أحد الموانئ الليبية غير الشرعية (هل ثمة شرعي في ليبيا أصلاً؟) والتي تديرها احدى الميليشيات المسلحة..
نحن اذاً أمام عالم عربي مُمزّق, مُقطّع الاوصال واهن الروابط والصلات, حيث يهيم البشر على وجوههم هرباً من قذائف الموت وسواطير التكفيريين وظلمة الزنازين وغرف التعذيب, وشح الغذاء وندرة الدواء وفقدان الماء, وها هم «90» الفاً من مدينة الرمادي العراقية, اختاروا طريق التيه بدلاً من البقاء تحت رحمة داعش, وملايين اليمنيين باتوا في الظلام بعد تدمير محطات الكهرباء ونقصان المواد الغذائية والطبيّة, أما عن سوريا فلا تسل, فالمأساة تتواصل فصولاً ومشاهد اكثر ايلاماً. أتسألون عن غزة؟ الحال على ما كانت عليه بعد انتهاء عدوان «الجرف الصامد», فالمتبرعون اختفوا والداعمون تواطؤوا, ولم يبق للغزيين غير رحمة الله.. دون إهمال ما يحدث في السودان المُحتفل بالتجديد لرئيسه المقيم في السلطة منذ ربع قرن, حيث (شعوب) دارفور وكردفان والنيل الازرق وايضاً في الجنوب «المستقل».
شعوب عربية صحيح, لكنها باتت مجرد أرقام واحصاءات في سجلات المنظمات «الدولية», التي تهرع لمساعدة الشعوب المنكوبة, فيما الانظمة توالي تدمير ما تبقى من مقومات الحياة.