كتب جعفر هديب رئيس هيئة تشجيع الاستثمار السابق، مساء اليوم الثلاثاء، رسالة الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بشأن استقلالية القضاء الفلسطيني، اليكم نص ما جاء فيها:
"الاخ الرئيس محمود عباس " ابو مازن"
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
رئيس حركة فتح
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
الموضوع : استقلالية القضاء الفلسطيني
تحية الصابرين ،،،
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى : " ان الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة".
العدل هو اساس الحكم وحصنه الذي يحميه ، وهو ما يجب ان يتصف ويعمل به القضاة امتثالا لقول الله تعالى ( واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ) ، فالقضاء يجب ان يكون عادلا ومستقلا، لا يخضع لتعليمات عليا ، وان يكون منصفا للجميع سواء كانوا احباء او خصوما للرئيس ، موالين له او معارضين ، وان يحكم بالعدل بغض النظر عن العداوات والخصومات كما جاء في قوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ) .
الاخ الرئيس ،
انني ادرك ان تحقيق العدل ليس امرا بسيطا ، وان الشعار المكتوب بخط جميل ومعلق خلف منصة للقضاة لا يعكس بالضرورة ما يمارسه بعض هؤلاء القضاة ، وادرك ان الظلم باق ما دامت هذه الدنيا باقية وان المعركة مع الظلم مستمرة ما دامت هناك حياة ، ولكنني في المقابل مؤمن بأن العدل يمكن ان يتحقق من خلال التفاعل المستمر بين المظلوم والظالم ، خاصة اذا كان هذا الظالم يظن ويحسب انه عادل وأن جميع اعماله عادلة ، ويحيط به مجموعة من المصفقين الذين يجعلوه يظن أنه ظل الله في الارض من فائض عدله.
التفاعل المستمر بين المظلوم والظالم يعني أن لا يستسلم ويخضع المظلوم للظلم ، وان يواجهه بشتى الوسائل ، ويعني ايضا ان على الظالم ان يسمع لمن يصرخ في وجه ظلمه، وان يرى ويدرك مدى بشاعة ظلمه.
ان التاريخ والحاضر يؤكدان ان النتيجة الحتمية لهذا التفاعل هي إما ان يكف الظالم عن ظلمه تحت وطأة هذه المواجهة او ان يسقط مهزوما مدحورا بجريرة ظلمه ولو بعد حين .
الاخ الرئيس ،،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" القضاة ثلاثة ، قاضيان في النار وقاض في الجنة ، رجل قضى بغير حق يعلم بذلك ، فذلك في النار ، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة".
الآن وبعد حكم محكمة الفساد في التهم المنسوبة للأخ النائب محمد دحلان ، لاحت لي في الأفق بارقة أمل ، لا اعلم إن كانت ستختفي قريبا أم ستشرق شيئا فشيئا حتى تسطع كحقيقة في سماء فلسطين بأن هناك من ما زال يقضي بالحق تحت وطأة الضغوط والتعليمات !!.
من منطلق شعوري ببارقة الأمل هذه ، كتبت لكم هذه الرسالة ، فأنا ومنذ عام 2011 وتحديدا منذ بدء المشاكل والخلافات بينك وبين الاخ محمد دحلان ، بدأت تجربتي الرديئة المتلاحقة مع التعليمات العليا ، وهي عبارة عن تعليمات يقول من ينفذها انها صدرت عن جهات عليا " من فوق" !! ، وجزء يسير من هذه التعليمات يكون خطيا ، والغالب منها يكون شفويا وبدون توثيق ، حتى يسهل التنكر لها في حال سببت اي حرج عند تنفيذها.
لا مكان هنا لسرد هذه التعليمات والمواقف المتعلقة بها التي طالتني وطالت افرادا من اسرتي واصدقائي ، ولكنني سأكتفي بسرد ما يتعلق بموضوع احالتي على التقاعد المبكر والدعوى القضائية التي اقمتها لدى محكمة العدل العليا للطعن في قانونية الاحالة على التقاعد.
كما تعلم ويعلم الجميع بأنه تم احالتي على التقاعد بعد جدل ونقاش طويل في مجلس الوزراء ، وان المجلس اخضع قرار احالتي على التقاعد الى التصويت ( في سابقة نادرة لاعمال المجلس) ، وحينها اعترض على القرار مجموعة من الوزراء منهم د.احمد مجدلاني ود. محمود الهباش وغيرهم من الوزراء، ولكن القرار حسم بتعليمات عليا وفقا لما أسر به احد الوزراء الى مجموعة من نواب المجلس التشريعي في حينه .
عندما اتخذ مجلس الوزراء قرار احالتي على التقاعد كان الاستاذ علي مهنا وزيرا للعدل ، وكان احد اهم الوزراء المدافعين عن قانونية القرار !! وشاءت الأقدار وقبل ان تصدر محكمة العدل العليا حكمها في قضية الطعن على قرار مجلس الوزراء بوقت قصير تم تعين الاستاذ علي مهنا رئيسا لمجلس القضاء الاعلى .
في 30 حزيران 2014 حكمت محكمة العدل العليا برد الدعوى ، وحينها قررت اللجوء الى المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" ، وطلبت من الاستاذ المحامي الذي يمثلني ان يعرض قضيتي على المركز .
لقد قام المركز بدراسة قضيتي والحصول على كافة الوثائق من المحكمة ، وعرضها على الخبير القانوني د. سليم حتاملة من الاردن ، والخبير القانوني د.احمد موسى من مصر ،من أجل دراستها وإبداء الرأي فيها وفي قرار المحكمة .
قام الخبيران بدراسة القضية وقرار المحكمة ، وتم نشر رأيهم في مجلة العدالة والقانون رقم (23) ، الصادرة عن المركز في تشرين الثاني 2014 (من الصفحة 151 ولغاية الصفحة 180) .
لقد خلص د. حتاملة( الصفحة 167) الى : " في المجمل فانني اخالف ما توصلت اليه محكمة العدل الموقرة في قرارها " ، وكذلك خلص د. احمد موسى (الصفحة 180) الى : " نرى ان القرار الطعين باحالة المستدعي للتقاعد المبكر جدير بالالغاء بعد قبول الطعن ، واعادة هذا الاخير الى عمله ، مع التوصية باجراء التحقيق اللازم فيما تضمنته الاوراق من مخالفات منسوبة الى عدة اطراف".
هنا تبرز الاسئلة التالية الهامة : لمن يلجأ من يثبت ان محكمة العدل العليا قد أخطأت في حكمها بحقه، خاصة وأنها أعلى درجات التقاضي ؟؟ لمن يلجأ من يعتقد ان التعليمات العليا هي من حكمت في قضيته؟ ؟ مهمة من ممارسة الرقابة على القضاة ونزاهتهم؟؟
الاخ الرئيس ،،
قد يكون مقبولا خضوع بعض الوزراء والموظفين للتعليمات العليا وذلك للحفاظ على مواقعهم وامتيازاتهم، وكذلك خضوع بعض اركان القطاع الخاص لهذه التعليمات حفاظا على مصالحهم ، ولكن لا يمكن قبول أن يكون لهذه التعليمات العليا سطوة ونفوذ على القضاء لأن ذلك سيعني عدم وجود فصل بين السلطات وان لا وجود لدولة القانون ولا وجود لقضاء مستقل ونزيه.
الاخ الرئيس ،،
ليس المقصود من هذه الرسالة هو البحث عن عودة الى عمل او عن اعتذار من أولئك الذين ساهموا في هذا الظلم أو ذاك ، ولكن المطلوب وفي ظل غياب المجلس التشريعي ، هو البحث عن آلية يمكن فيها ضمانة عدم تدخل التعليمات العليا في القضاء الفلسطيني ، وعن آلية يمكن فيها محاسبة اولئك القضاة الذين يثبت انهم باعوا ضمائرهم وخانوا اماناتهم وخضعوا لتعليمات عليا من هنا أو هناك ، وحكموا بغير العدل والحق في قضايا لا لبس فيها.
لحين ذلك اليوم الذي توضع فيه آلية لضمان نزاهة القضاة ومحاسبتهم ، اكتفي بعدل ومحاسبة قاضي السماء كما قال الشاعر:
اذا جار الوزير وكاتباه
وقاضي الارض أجحف في القضاء
فويل ثم وَيْل ثم وَيْل
لقاضي الارض من قاضي السماء
الاخ الرئيس،،
تقبلوا مني الذي لا اخضع أو استسلم لظلم ، والذي اعتبر ان القيادة الصالحة هي التي تشجع النقد والتفكير اكثر مما تشجع الهتاف والتصفيق ، كل الدعاء والأمنيات بانقشاع الظلم وزواله ، ودحر الاحتلال وأعوانه".