معن البياري
لم يتعهّد مرشح انتخابات الرئاسة المصرية العام الماضي، محمد مرسي، بقطع العلاقات مع إِسرائيل، وإغلاق السفارتين المصرية والإسرائيلية في تل أبيب والقاهرة. كما زملاؤه في المنافسة على الموقع الأَول في أَرض الكنانة، وإِن تعهد بعضهم، ومنهم مرسي، بتعزيز وجود القوات المسلحة المصرية في سيناء، ما يعني تعديلاً في اتفاقية كامب ديفيد، كما قال بصراحة أكثر المرشح عمرو موسى. أَما المرشح الناصري، حمدين صباحي، فوعدبأن يُخضع اتفاقية السلام مع إسرائيل لاستفتاء شعبي.
لا يعني التذكير بهذا الأَرشيف القريب التبخيس، لا سمح الله، من وطنية أَيٍّ من المرشحين الثلاثة عشر، ولا الإيحاءَ بولعٍ لدى أَيٍّ منهم بإسرائيل والاتفاقيات معها، وإِنما التذكير بأَنَّ مصر غيرُ قادرةٍ في ظروفها الراهنة على فك علاقاتها الشائنة مع العدو الصهيوني. ودلت استطلاعاتٌ على أَنَّ المصريين ليسوا في وارد هذا الأَمر الآن، لقناعتهم بأَنَّ بلدهم ليس مؤهلاً لاحتمال تبعاتٍ باهظةٍ، اقتصادياً ومعيشياً وسياسياً وعسكرياً، للإقدام على هذه الخطوة التي يُطالب بها الوجدان المصري، ومعه وجدان الأمة كلها.
في وسع الرئيس محمد مرسي أَنْ يفعل الكثير مع إِسرائيل، وأَنْ يردع تماديها المكشوف الذي تُمارسه من دون اعتبارٍلمصر، وفي وسعِه أَنْ يُلوِّح بإِعادة النظر بمعاهدة السلام، وأَنْ يلغي اتفاقيات لاحقة عليها معيبة معها موروثة من نظام حسني مبارك. وكان في مقدوره، وهو المنتسب إلى “الإخوان المسلمين” التي تحفل أَدبيّاتها بعداء إِسرائيل أَنْ يربط وجود سفير مصريٍّ في تل أَبيب باستحقاقات مهمةٍ على غير صعيد. وكان في مستطاعِه أَنْ يتحرَّر من الالتزام البروتوكولي السخيف في رسالته الشديدة الحرارة إِلى “الصديق الكبير” شيمون بيريز. وعليه أَنْ يتحمل جبال الانتقادات له، بسبب ليونته، رئيساً لمصر، مع إِسرائيل في غير واقعةٍ وحادثة، ولعدم مبادرته باتجاهها بما يدلُّ على أَنَّ صوفة مصر صارت حمراء، وأَنَّ عمقها الفلسطيني أَوثقُ من أَيِّ التزامات سلامٍ معلومةٌ فضائح تزبيطها. وما زال ممكنا للرئيس مرسي أَنْ يذهب إِلى خطوةٍ،منتظرةٍ ومطلوبة منه بإلحاح، بشأن إِنهاء الحصار الظالم على قطاع غزة، والتيسير على أَهل هذا القطاع وعيشهم، في بلدهم، وغادين ورائحين منه وإليه.
نُدرك أَنَّ الحكمَ صعبٌ والمعارضةُ سهلة، وأَنَّ كلام الخطابات والوطنيات المسترسل خارج السلطة غيرُ ميسورٍ لدى أَهلها. ونعرفُ أَنَّ أثقال الارتباط بالولايات المتحدة وقيودَها بالغةُ الكلفة على مصر، وأَن محمد مرسي ورثها مغلولاً إِلى حدٍّ كبير، وأَنَّ التّخفف منها يحتاجُ تغييراً عميقاً في منظومات الإنتاج الاقتصادي المصري، وثورةً جذريةً في العمل السياسي وانعطافةً حادةً في العسكرية المصرية الراهنة. ونوقنُ أَنَّ حمدين صباحي لو تيسرت له الرئاسة لما استطاع فعل الكثير في هذا كله. ويُؤتى، هنا، على هذه الحقيقة، المتعامى عليها، بمناسبة جولةٍجديدةٍ في موسم المزايدات المتواصل على “الإخونجي”مرسي، استسهلت إِعطاءَه الدروس، واستهجنت إِبقاءَه العلاقات مع إِسرائيل، فيما يقطع علاقاتٍ سياسيةً ودبلوماسيةً مع نظام دمشق غير قائمة، فيما يمكن الإتيان على مؤاخذات غزيرة على الرجل وبؤس أَدائه، لن يكون منها موقفه البديع من نظام القتل في دمشق، وإِنْ أَزعلنا، غير مرة، في لغةٍ هادئةٍ بشأن النظام المذكور، جيدٌ أَنه غادرها، وجيدٌ أَن نطالبه، دائماً، بمساحةٍ من الحركة يلعبُ فيها جيداً بشأن العلاقات الموروثة مع إِسرائيل، من دون اضطرارٍ إِلى مغامرة قطعها.