سوسن الأبطح
صرخة المجتمع المدني أمام المجلس النيابي اللبناني يوم انتهاء ولايته الخميس الماضي، وغضب المحتجين العارم يأتي من معرفتهم بأن تمديد النواب لأنفسهم قد يكون فاتحة كارثة كبيرة. أحد أكبر رموز الحرب الأهلية اللبنانية اللعينة، هو التمديد للمجلس النيابي. بقيت الوجوه النيابية ذاتها، والسحن عينها طوال 19 عاما، دخلوه شبانا وخرجوا منه شيوخا، وبعضهم انتقل منه إلى المقبرة. انتخاب وجوه جديدة عام 1991 كان إيذانا بأن الحرب وضعت أوزارها.
لبنان، عمليا، اليوم بلا مجلس تشريعي، لمدة قد تطول أو تقصر. نواب الأمة فشلوا وهم أصيلون، فما الذي يستطيعونه وهم لكراسيهم «محتلون» و«مغتصبون» بحسب المحتجين. أسوأ من ذلك، على الأرجح أن سنة ونصفا من التمديد لن تفضي بالضرورة إلى انتخابات إذا ما بقي الوضع الإقليمي متفجرا على ما هو عليه.
لبنان، الذي ربط لاعبوه إراداتهم وقراراتهم، بحلفائهم الخارجيين لا بمواطنيهم، سيبقى ينتظر نتائج المباراة على قطعة الشطرنج الشرق أوسطية، من دون أن يجرؤ أي زعيم على اتخاذ موقف ضميري ووطني.
كل شيء مرهون بموازين خارجية، حتى تعيين قائد جديد للجيش في سبتمبر (أيلول) المقبل، بعد نهاية ولاية القائد الحالي. ليس مهما أن يكون لبنان متفجرا أمنيا ومهددا على حدوده، ومنتهكة حياة مدنييه. لن يهتم السياسيون كثيرا لهذا الأمر، بقدر ما سيفكر كل منهم بحصته في هذا المنصب، مقابل حصة غيره في ذاك. فالفشل أيضا كان حليفهم وهم يناقشون تعيين قائد جديد لقوى الأمن الداخلي، وبدل الاتفاق على اسم لرجل كفء بلا لون سياسي، وهذا كان ممكنا جدا، فضلوا استقالة الحكومة برمتها. من المفارقات العجيبة، أنه صار تفريغ المؤسسات أسهل من تعيين شخص في منصب، يزعج خاطر هذا الزعيم، أو «يزعل» بطانة زعيم آخر.
بدأ الشعب اللبناني يتعود على حكومة تصريف الأعمال. لا أحد يسأل، مثلا، أين ذهبت مفاعيل التهاليل والزغاريد التي واكبت تكليف الرئيس تمام سلام لتشكيل حكومة جديدة؟ ولماذا ذهب كل الدفع والدعم السياسيين هباء الريح؟ بات أيضا من الطبيعي أن يتحدث مسؤولون كبار عن صعوبة تشكيل حكومة جديدة في الوقت الراهن، وأن الأمر مؤجل إلى أجل غير مسمى.
من هنا وحتى مايو (أيار) المقبل، أي موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يكون لبنان قد سلم أمره للفراغ في أمنه وسلطته التنفيذية والتشريعية. بعض الأحزاب لم تعد تخفي أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية لن يكون متاحا. وإذا أضفنا إلى كل هذا أن المجلس الدستوري، وهو أعلى سلطة قضائية، بات عاجزا عن الانعقاد بسبب تركيبته الطائفية وولاءاته الحزبية، وانقساماته المعيبة، نفهم أن الدولة اللبنانية ببنيتها الحالية لم تعد صالحة حتى لتكرار ذاتها، ولو رضي المواطنون بفسادها.
الفراغ يستشعره المواطن، في فقدان الماء، وغياب الكهرباء، وشلل الجامعة الوطنية التي يعجز السياسيون عن الاتفاق على أسماء عمداء لها، أو حتى على لائحة لتعيين أساتذة عوضا عن الغالبية التي تقاعدت. أحصى الناشطون المدنيون عشرات القضايا التي فشل المجلس النيابي في إقرارها. هل يعقل أن العجز وصل حد الفشل في الاتفاق على قانون للسير يمكن تطبيقه، أو التصويت على قانون يحمي النساء من العنف الأسري، أو حتى إيجاد حل للضمان الصحي؟ كل المواضيع صالحة للتجاذب السياسي، والتناتش الوضيع، بما في ذلك لقمة عيش المواطن وحبة الدواء التي يحتاجها لأطفاله.
مع الاحترام الشديد لوزير السياحة فادي عبود الذي يتهم الإعلام بالتضخيم ويحض السياح على زيارة لبنان، لا بد أن يلقي نظرة على الخريطة، ليكتشف أن الجنوب ملتهب كما الشمال والبقاع. وأن معادلة ما دامت بيروت بخير فكل شيء على ما يرام لا يمكن تطبيقها في القاموس السياحي. ثمة صواريخ سورية تطال بعلبك، واشتباكات مسلحة شبه دورية في صيدا وطرابلس، كما أن الخطف موضة، وقطع الطرقات تسلية من لا عمل له.
لبنان ما يزال قادرا على إنقاذ نفسه، رغم أن عوامل التفجر قائمة. لكن لا يبدو أن أجراس الإنذار تعني أحدا من أولي الأمر. لهذا فإن فراغ المجلس النيابي الذي بدأ أول من أمس، بعد فراغ حكومي بات مزمنا، هو بداية، على ما يبدو، لانهيار المؤسسات الرسمية اللبنانية. أمر ما يذكر بلعبة الدومينو التي ما إن يتحرك أحد أحجارها حتى تكر السبحة، ويتهاوى كل شيء. يبقى السؤال كم من الوقت سيستغرق هذا الانهيار؟ وأي ثمن سيدفعه اللبنانيون بينما تتضح ملامح الحل السوري؟ والصفقات الدولية على تقاسم المنطقة؟ وما اسم المدينة الجديدة التي سيعيش لبنان في ظل اتفاقها بعد الطائف والدوحة؟