أسامة الرنتيسي
تحاول قيادة " تيار زمزم" منذ بدء نشر الأخبار عنه، تأكيد مقولة أنهم لم يخرجوا من رحم الإخوان المسلمين ، وأن قيادة الجماعة لا تملك فيتو عليهم، ومحاولتهم ليست انشقاقا بنزعة إقليمية عن الجماعة ، وآخر ما حُرر عنهم أن نسبة وجود الإخوان داخل المبادرة لا تزيد على 15 % من أصل 600 شخصية تضمهم المبادرة.
ليست "زمزم" قصة مهمة، وهي محاولة من محاولات كثيرة، خاضتها شخصيات إسلامية في السنوات الماضية، أفضى بها المطاف بالحصول على مقاعد وزارية أو نيابية أو في عضوية مجلس الأعيان، وانتهت المحاولات من دون إعلان عن وفاتها، وبقيت الجماعة تتشرذم وتنشطر في محاولات عديدة، لكن لم يخرج منها حتى الآن تيار أو حزب جديد.
التطرق لـ "زمزم" لأنها تؤشر فعلا على واقع الأحزاب الدينية، وخاصة بما يتعلق بالأرقام، فلو أخذنا على سبيل المثال حزب الله، واتهمه أي شخص لا يتفق معه ومع توجهاته، وخاصة الأخيرة، عندما اكتشفنا أن ما "بعد حيفا" هي مدينة القصير السورية، بأن هذا حزب طائفي لا يضم سوى الشيعة، ولا يوجد به سنّي واحد، أو مسيحي، فإن الشبيحة يردون عليك بقساوة، وكأنك كفرت بالمقاومة، ويدمغوك بالأمركة وبنهج التيار الخليجي، ويصل الأمر إلى الاسرلة إذا كان الشبيح من الذين يقبضون أكثر.
لنعترف أن الإفراز الرئيسي لثورات الربيع العربي (مهما اختلفنا على التسمية) أظهر بوضوح الحالة الحقيقية التي تتمتع بها وتعيشها التيارات الدينية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وأنها فعلاً قادرة على إحداث التغيير في بنيانها وهياكلها، وخير معبّر عن هذا التغيير ما نادى به شباب الإخوان المسلمين في مصر، الذين يطمحون إلى إحلال مفهوم "الفهم والطاعة" بدل "السمع والطاعة"، كما يحلمون بأن تكون للنساء داخل الجماعة المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار.
التغيير في بنيان الإخوان تحدثت عنه أيضاً إحدى الوثائق الدبلوماسية الأميركية السرية، التي حصلت عليها من موقع "ويكيليكس"، ونشرتها صحيفة "المصري اليوم"، حيث نقلت عن عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، هو إبراهيم الهضيبي (حفيد حسن الهضيبي ومأمون الهضيبي المرشدَين العامَّين السابقَين للإخوان في مرحلتين مختلفتين)، قوله لوفد أميركي: إن "الإخوان جماعة ذات قاعدة عريضة، وينبغي عدم النظر إليها باعتبارها قوة سياسية متماسكة"، متوقعاً أن تنقسم إلى خمسة أحزاب في حال السماح لها بالمشاركة السياسية الكاملة.
بكل الأحوال فإن المتخوفين من تقدم الحركات الاسلاموية في البلدان التي شهدت تغيير أنظمة الحكم فيها كتونس وليبيا ومصر، التي تنتظر كسورية، مخطئون لأنهم يتجاهلون الأساس الحقيقي الذي قامت من أجله هذه الثورات، المسقوفة بشعارات يسارية ديمقراطية هي حصريا ملك اليسار، ولا يمكن للحركات الاسلاموية أن تستجيب لهذه الشعارات مهما كانت درجة إعادة التأهيل وعمليات الماكياج التي خضعت لها في الفترة الأخيرة.
في الفترة الأخيرة بدأ كتاب محسوبون على الجماعات الإسلامية بنقد تجربة الحكم لجماعة الإخوان، ويستشرفون ما بعد حكم الإخوان، بعد أن انكشفت طريقتهم، وعدم اعترافهم بالآخر ولا بالتعددية، وانهم لا يختلفون في النهج عن حكم الأنظمة التي سقطت، لا بل يستنسخون تجربتها.