منعم صويص
ماذا يعني تصريح أوباما أن الولايات المتحدة مقتنعة بأن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية في الحرب الحالية، ولذلك فإنها ستمد الثوار السوريين بأسلحة نوعية؟ هل كان هدف أوباما إقناع المعارضة أن تذهب إلى جنيف؟ هل كان للضغط على روسيا لتضغط بدورها على الأسد لتغيير موقفه من المعارضة، وإلغاء نيته في ترشيح نفسه لفترة جديدة السنة القادمة؟ من غير المحتمل أن هذه الأسلحة ستوثر كثيرا في القوات السورية.
إن من المنطقي القول بان دعما كهذا لن ينهي الحرب، وإنما سيزيدها اشتعالا، ولا ندري كيف ستضمن أمريكا وأوروبا أن لا تقع هذه الأسلحة بيد القاعدة، وجبهة النصرة، ولواء التوحيد، والحركات المتطرفة الأخرى.
ويجدر ذكره أن خبراء عسكريين أمريكيين متقاعدين يعتقدون أن هذه الأسلحة ستكون موجهة ضد الدروع، وربما ضد الطائرات أيضا، وهذا لا يعني أنها هجومية، أو أنها ستحسم النزاع لصالح الثوار.
هذه الأسلحة لا تصلح لإسقاط النظام. ويظهر أن الولايات المتحدة لا يهمها كثيرا إنهاء الحرب، ويقول الرئيس الأمريكي في آخر تصريحاته، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، "إنه من المهم بناء معارضة سورية قوية."
عندما دعمت الولايات المتحدة والغرب الإخوان المسلمين في مصر وبقية الدول العربية كانت تأمل وتعتقد أن الاشتباك بينهم وبين القاعدة وأمثالها سيكون حتميا، واعتبرت أن هذا سيريحها من الحرج الناتج عن استمرارها في محاربة هذه المنظمات حول العالم وخاصة في أفغانستان وباكستان، لأن محاربي هذه المنظمات، في هذه الحالة، سيموتون على أيدى إخوانهم من المسلمين. وما يحصل في شمال إفريقيا يثبت ذلك، فالإخوان في مصر أعلنوا حربا شعواء على المتطرفين الإسلاميين في سيناء، والحكم التونسي الإسلامي يصطدم الآن مع السلفيين، وبقية الدول في شمال إفريقيا تستعد للقضاء على القاعدة والمتطرفين، هذه المرة بمساعدة فرنسية، تاركة أيدى الأمريكان نظيفة.
ونستطيع أن نستنتج أن السياسة نفسها يمكن أن تطبق على الحالة السورية. وقبل أن يذهب ذهن القارئ بعيدا ويَعجب من هذه المقارنة، أقول إن هذه الأسلحة الجديدة تستهدف إشغال حزب الله وإنهاكه في حرب مع أعدائه الألداء، القاعدة والنصرة، فغاية الولايات المتحدة العاجلة الآن ليس إسقاط النظام بل تصفية حزب الله في سورية، ومنع قواته من الرجوع إلى جنوب لبنان.
فمنذ أن وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة الإرهاب وهي تبحث عن طريقة لتدميره والتخلص منه، لأنه مخلب دول "الممانعة،" إيران وسورية، الذي يُعطل تنفيذ سياساتها في المنطقة، وليس بخاف على أحد أن قطاعا واسعا من اللبنانيين يتمنى أن يختفي الحزب من الوجود وينتهي تأثيرُه في لبنان ووضعُه كدولة داخل دولة.
التخلص من حزب الله كان هدفا أمريكيا منذ سنوات طوال، وهو أيضا هدف معظم الدول العربية، وخاصة الخليجية، والغالبية من اللبنانيين، والتخلص من حزب الله يهُم هؤلاء أكثر مما يهم إسرائيل لأنها أساسا لا تستطيع أن تعيش من دون أعداء، خاصة أولئك الذين يهددونها ولا ينفذون تهديداتهم، فهم بكل بساطة يرفعون من مستوى دعم العالم الخارجي، المادي والمعنوي، لها.
ففي تموز عام 2006، هاجمت إسرائيل جنوب لبنان بعدما اختطف حزب الله جنديين إسرائيليين، وحضّتها الولايات المتحدة أن لا تنسحب قبل القضاء على الحزب، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس توزّع التصريحات يمنة ويسرة، وتمنع مجلس الأمن من الدعوة إلى وقف إطلاق النار إلى أن يتم القضاء على حزب الله، وفي أحد مؤتمراتها الصحافية، قالت جملتها المشهورة بان ما سيحصل في الشرق الأوسط هو "فوضى بناءة"، سينتج عنها "شرق أوسط جديد." ولو أنها لم تصرح بذلك، إلا أن أحدى العلامات البارزة في هذا الشرق الأوسط الجديد هي حل أمريكي للقضية الفلسطينية، وهذا الحل لا يمكن أن يتحقق إلا بتحييد إيران وسورية بانتزاع مخلبهما، ممثلا بحزب الله، وإزالته من لبنان.
ويظهر أن حزب الله قد رمى بكل ثقله خلف نظام الأسد، وتقول الأنباء إن هناك حوالي 8000 من مقاتليه في سورية، وإنه خسر على الأقل مئتي مقاتل، ويقول الجيش الحر إن 4000 منهم موجودون في حلب الآن.
فحسن نصرالله لن يعود إلى لبنان، أو يتخلى عن بشار الأسد، ويخالف تعليمات الولي الفقيه تحت أي ظرف، وخاصة إذا سلحت أمريكا المعارضة، ومن ضمنها، وبطريقة غير مباشرة، القاعدة وجبهة النصرة ولواء التوحيد وغيرها، وهذا يعني أنه لن يبقى في جنوب لبنان قوات كافية لتردع أو ترد أي هجوم إسرائيلي، وستكون هذه فرصة ذهبية لإسرائيل لمهاجمة جنوب لبنان، بدعم من الولايات المتحدة - ولن تُعدَم إسرائيل التبرير لكي تفعل ذلك - وسيكون باستطاعتها أن تبقى هناك مدة كافية، على الأقل لتمشط المنطقة كاملة بحثا عن الآلاف من صواريخ حزب الله وأسلحته الثقيلة وتدميرها، وستكون العملية خاطفة بحيث لن يستطيع مقاتلو حزب الله أن يعودوا، إذا كانوا فعلا ينوون العودة، من سورية في الوقت المناسب لصد القوات الإسرائيلية.
لم يعد حزب الله كما كان في السابق، فقد خسر دعم الشعب الفلسطيني، وخسر عواطف أهل السنة، من أندونيسيا إلى المغرب، وبدأ يخسر حتى قطاعا واسعا من الشعب اللبناني والشيعة أنفسهم، فكثير منهم يتملكهم خوف شديد مما سيحصل لهم عندما تنتهي الحرب في سورية، بغض النظر عن شكل هذه النهاية، وقد تُوّجت مصاعب حزب الله بفوز حسن روحاني في الانتخابات الإيرانية، فهو يحظى بتأييد غالبية الشعب الإيراني الذي كان يُحكم بطريقة دكتاتورية تحت نظام جلب للإيرانيين المصاعب الاقتصادية، وخلق العداوة بين إيران والدول العربية.
ويحظى روحاني أيضا بتأييد الرئيس السابق خاتمي، أكثر الزعماء الإيرانيين اعتدالا وتصالحا مع العرب. أما تصريحات نصر الله، وتصريحات الأسد، بأن جبهة الجولان ستفتح لقتال إسرائيل، فتصلح كفصل من مسرحية كوميدية، وإذا حصل أي شيء من هذا القبيل، فيمكن أن يكون ذلك أفضل وأسهل مبرر لإسرائيل لغزو جنوب لبنان، والقضاء النهائي على حزب الله.