لم يعد الأمر مقصوراً على فرز المواقف: مع أو ضد. فالأمر أصبح ضرورة قصوى، وحاجة، بل أمراً مفروعاً منه. نحن هنا نتكلم عن وجوب أن يتحدث الأهل مع أبنائهم وبناتهم عن الجنس. نحن، بكل أسف، نعيش في زمن، كل شيء فيه يصرخ جنساً. وعدم الحديث عن الجنس أصبح أمراً صعباً. فالجنس في الأفلام، وفي "الموبايل" و"الإنترنت"، وفي القنوات التلفزيونية المفتوحة. أضف إلى ذلك أنّ هناك مساحة تجريب مُرعبة، تجعل الشباب والأطفال المتورِّطين يُحرِّضون غير المتورّطين ليتورطوا مثلهم.
إنّ الثقافة الجنسية مسألة ضرورية في الحياة العصرية لأبنائنا، حتى نحافظ عليهم من أنفسهم ومن الحياة حولهم. وبكل أسف، نجد أنّ كثيراً من الأهل لا يأخذون الأمر بجدية، بل يحاربونه أشد محاربة، من منطلق إعتقادهم أنّ الأمر هو تفتيح لعيون الأبناء على الأشياء، من المبكر أن يتعرفوا إليها. والبعض الآخر يرون أنّ الأمر أفلت من أيديهم، في زمن مُرعب من تدفُّق الجنس. كذلك، قد يرى البعض الآخر الأمر ضرورة، لكنهم لا يُجيدون مهارة إعطاء المعلومة الجنسية الصحيحة. وربّما يكونون على حق في هذه النقطة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. لكنني أرى، وهذه قناعة لها صدى كبير في علم النفس، أنّ الأهم من إعطاء المعلومة الجنسية، هو فن التخاطب بين الأبناء والأهل. ولو أجاد الأهل فن التخاطب مع أبنائهم، فسوف يكون سهلاً بعد ذلك طرح أي موضوع آخر. والمراهق والمراهقة، متى ما وجدا لغة تخاطب جيِّدة، ليس مهماً عندهما مادة الحوار، وسيكون سهلاً عليهم تقبُّل الحديث في الثقافة الجنسية.
واليوم، أصبح هناك دروس على "الإنترنت"، أو في الجمعيات الإجتماعية المتخصصة، تُعلِّم الأهل فن التخاطُب مع أبنائهم. وهذه الوسائل هي عوامل مساعدة وجيدة في إزالة الحواجز بين الأجيال. وبكل أسف، فإن مهارة الحوار ضعيفة بين الناس بشكل عام، فما بالك بين جيلين مختلفين، خاصة في علاقة حسّاسة مثل علاقة الآباء بالأبناء؟ لذا، أرى أن نسعَى بشكل أساسي إلى تطوير لغة الحوار، ثمّ ننطلق إلى فن إستخدام الحوار في ثقافة أبنائنا جنسياً. هناك نقطة، سنضربها كمثال على أخطاء الأبناء الجنسية، وكيف يمكن أن نتلافاها بالحوار، وهي خروج البنت مع الولد، وحدوث ما يُسمّى المواعيد الغرامية. فمنذ زمن طويل في أوروبا وأميركا، كان هذا الموضوع مَدار جَدَل، وهو حين تخرُج البنت مع الولد في موعد غرامي، وتقبل درجة غير عادية من الخلوَة والملامَسَة، وهو يريد أكثر، فتقول "لا"، ويصرُّ هو على المتابعة، ويعتقد أنّ "الـ"لا" هذه هي من بال الدّلَع والتَمنُّع.. فهل يُتّهم عندئذ بالإغتصاب؟ بالطبع إنّ الـ"لا" في الأمور الجنسية تعني "لا" حقيقية، وهذا أمر يجب أن يفهمه الشاب الذي يخرج مع بنت، حتى لو كانت هي مَن طلَبَت الخروج معه. فإنْ كان خطؤها في الخروج معه، فإنّ خطأه هو في التمادي في إستغلال الفرصة. لكن المسألة الجوهرية، هي في ثقافة الحفاظ على الذات من قِبَل البنت، وعدم الخروج مع الشاب مهما تكن المغريات، بإسم الحُب. إنّ حماية البنت بتقديم توعية إسلامية، نفسية، مسألة جيِّدة، وليس فيها "تفتيح للعين"، ولكن إقفال لإحتمال خطأ لا تُحمد عقباه.