عمان - الكاشف نيوز
يرى باحثون أن الحياة العصرية والتطور الصناعي، ولا سيما في مجالي الأغذية المعدلة والصناعات الملوثة، أثّرا بشكل ما في التوازن الهرموني للبشر وهو ما جعل الأمر يبدو أكثر سوءا وأكثر تعقيدا من فترة الثمانينات، رغم ارتفاع نسبة التدخين فيها. فقد وجدت دراسة شملت عيّنة كبيرة من الرجال الأميركيين أن متوسط مستوى التستوستيرون قد انخفض بنسبة 1 بالمئة سنويا.
وعلى الرغم من أن معدلات التستوستيرون تنخفض بشكل طبيعي مع التقدم في السن، توصلت هذه الدراسة إلى أن رجلا يبلغ من العمر 65 عاما في عام 1987 كان لديه حوالي 17 بالمئة من التستوستيرون أكثر من رجل يبلغ من العمر 65 عاما في عام 2004.
ولم يقتصر هذا على الأميركيين فقط؛ ولكن أظهرت دراسة دنماركية نتائج مماثلة. وقد لاحظ مستشار العلاقات الجنسية، إيان كيرنر، أن “عددا متزايدا من الشباب يشكون من بعض المشاكل الجنسية، مثل ضعف الرغبة الجنسية، ومشاكل الانتصاب التي تعتبر أكثر شيوعا في الرجال الأكبر سنا”.
وفي تقرير على تأثيرات تراجع الهرمون الذكوري لدى الرجال أوضح الموقع الأميركي “بيغ ثينتك” أن الأمر ليس كارثيا، حيث لا يزال معظم الرجال اليوم يتمتعون بمستويات عالية من هرمون التستوستيرون، حتى في ظل هذا الانخفاض. لكن إذا انخفضت مستويات التستوستيرون إلى أدنى معدلاتها، فإننا سنبدأ في رؤية عدد كبير من التأثيرات السلبية.
ويعزز التستوستيرون مستويات الانتباه والذاكرة والتفكير والطاقة، ويزيد من الرغبة الجنسية والكتلة العضلية. وعندما تنخفض معدلات التستوستيرون للغاية، يمكن للرجل أن يبدأ في الشعور بالتعب ويفقد الرغبة الجنسية ويعاني من زيادة في الوزن وفقدان الكتلة العضلية ويشعر بآلام في الجسم ويصاب بالتعرق الليلي والشعور بالكبر والحزن والأرق وفقر الدم وتخاذل الأداء الجسدي وعدم التركيز الفكري وفقدان الذاكرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك صلة تربط بين انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون والاكتئاب.
هناك أيضا ارتباط كبير بين انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون والإصابة بالأمراض. حيث وجدت دراسة أن الأشخاص الذين يعانون من نقص هرمون التستوستيرون (المعرّف على أنه أقل من 300 نانوغرام لكل ديسيلتر) كانوا أكثر عرضة لخطر السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض أخرى.
وعلى الرغم من أن هذه النتائج مرتبطة بالبحث والدراسات، إلا أنه من الصعب للغاية إثبات أن هرمون التستوستيرون المنخفض يسبب كل هذه التأثيرات السلبية. بينما تجدر الإشارة إلى أن الأنشطة التي تحافظ على مستويات مرتفعة للتستوستيرون لدى الرجل سوف تساعده أيضا في منع هذه النتائج الصحية غير المرغوب فيها.
وفي محاولة لاكتشاف سبب استمرار انخفاض معدلات هرمون التستوستيرون على مر السنين، يعرض كاتب التقرير، ماثيو دافيس، بعض العوامل المحتملة. ومن بين هذه الاحتمالات ارتفاع معدلات السمنة، حيث ازدادت معدلات البدانة لدى البالغين الأميركيين بنسبة تقارب 10 بالمئة، بين عامي 1999 و2016.
ويرى دافيس أن السمنة ترتبط بهرمون التستوستيرون وهما يدوران في حلقة مفرغة: فالرجال البدناء يميلون إلى أن تكون لديهم مستويات هرمون التستوستيرون أقل، والرجال الذين لديهم هرمون التستوستيرون أقل يميلون إلى الإصابة بالسمنة، وذلك لأن الخلايا الدهنية تعمل على تحويل التستوستيرون إلى هرمون الأستروجين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص البدناء لديهم مستويات أقل من الغلوبيولين الرابط للهرمون الجنسي، الذي ينقل الهرمونات الجنسية مثل هرمون التستوستيرون عبر الدم.
ومع ذلك، يعتبر التلوث هو السبب الأكثر شيوعا. فقد أظهرت الأبحاث أن المواد الكيميائية التي توجد عادة في الأدوية الطبية والمبيدات الحشرية تمنع ارتفاع معدلات التستوستيرون. هذه المواد الكيميائية تتسرب إلى مياهنا، مما يسهم في مشاكل الخصوبة في الأسماك. كما يتوقع الباحثون أن هذه الآلية نفسها تحدث عند البشر أيضا.
بالإضافة إلى ذلك، وجدت الأبحاث التي أُجريت على القبائل الأميركية الأصلية أن المستويات العالية من مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور مرتبطة بنسب أقل من هرمون التستوستيرون. وعلى الرغم من أن مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور سامة، إلا أن المادة الكيميائية تدوم لفترة طويلة جدا.
كما ثبت أيضا أن هناك مواد كيميائية أخرى، مثل البيسفينول أي والتريكلوسان المضادة للبكتيريا، تعرقل نظام الهرمون البشري، إما عن طريق تقييد الأستروجين أو منع نشاط التستوستيرون. وبمجرد أن تدخل مثل هذه المواد الكيميائية إلى البيئة وبالتالي إلى السلسلة الغذائية، تصعب إزالتها والتخلص منها.
كما أظهرت دراسة أميركية أخرى أن الرجال الذين ينامون أقل من 5 ساعات في الليلة الواحدة على مدى أسبوع تنخفض لديهم بشكل ملحوظ معدلات هرمون التستوتستيرون الذكري مقارنة بمن يأخذون قسطا وافيا من النوم الليلي.
العلاج الهرموني يمكن أن يكون علاجا مفيدا للرجال
ووجد الباحثون في جامعة شيكاغو، بعد إجراء دراسة على 10 شبّان بلغ معدل أعمارهم 24 عاما، أنهم عندما أمضوا 8 ليال ناموا خلالها 5 ساعات انخفض معدل التستوستيرون لديهم بشكل ملحوظ مقارنة بفترة 10 ليال ناموا خلالها قرابة 10 ساعات.
وقالت الباحثة المسؤولة عن الدراسة، إيفا فان كوتر إن للمعدلات المنخفضة من الهرمون المذكور آثارا سلبية عدة لا تتعلق فقط بالسلوك الجنسي وبانخفاض الطاقة والرغبة الجنسية والتركيز وبالتعب، بل أيضا في القوة وحجم العضلات، وكثافة العظام.
وتبيّن أن الرجال الذين لديهم أقل معدلات التستوستيرون ظهر عندهم انخفاض في الشعور بالرفاه وتغير في المزاج كلما تراجعت لديهم ساعات النوم ليلا.
وللحد من تأثيرات نقص هرمون الذكورة على الصحة، يوصي الأطباء باتباع بعض الخطوات البسيطة التي من شأنها أن تحافظ على التوازن الهرموني، قدر الإمكان، ولا سيما مع التقدم في السن. وقد يتحقق ذلك عبر اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام حتى وإن كانت قليلة والحصول على قسط كاف من النوم.
جدير بالذكر أن العلاج الهرموني يمكن أن يكون علاجا مفيدا للرجال الذين يعانون من مستويات منخفضة بشكل غير طبيعي من هرمون التستوستيرون. ومع ذلك، له مخاطر قد تفوق الفوائد أحيانا، حيث وجدت بعض الدراسات ازدياد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عند المسنين من الرجال، بعد بدء العلاج بالتستوستيرون، فيما أشارت دراسات أخرى إلى انخفاض المخاطر في إجمالي معدل الوفيات.
يمكن إعطاء التستوستيرون عن طريق الحقن في فترة تتراوح ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع ولكن حين ينخفض مستوى الهرمون الذكوري مرة أخرى في الدم سيشعر حينها الشخص بأعراض تشبه (دوار البحر) ويظل هكذا حتى يتلقى الجرعة التالية من الحقن. كما يمكن زيادة مستوى هذا الهرمون عن طريق دهان مواد هلامية (جل) أو توافر بعض الضمادات المزودة به، فيدهن الجل أو تطبق الضمادة كل 24 ساعة في عضلات الجسم الرئيسية كالفخذين والأرداف والذراع فيعمل الجسم على امتصاص تلك المواد المعالجة عن طريق الجلد.
ووفق الباحثين، فإن للحقن تأثيرا سريعا جدا في ارتفاع مستوى الهرمون بعد الحقن مباشرة، أما الدهان فيتطلب وقتا أطول حتى الوصول إلى المستوى الطبيعي من الهرمون في الجسم.