القاهرة - الكاشف نيوز
على جانب الطريق الموحش توقفت السيارة الميكروباص ونزل منها ثلاثة أشخاص، يبدون كالأشباح فى عتمة أول الليل التى بدت حالكة، فالسماء قد تلبدت بخليط من الغبار والضباب حتى أن سطح مياه الرياح البحيرى بدا معتما على غير عادته ، فلم تنعكس عليه النجوم التى احتجبت وراء الغيوم القاتمة، كان الثلاثة يحملون ما يشبه اللفافة الكبيرة، وما أن اقتربوا من الرياح حتى ألقوا باللفافة ليحدث ارتطامها بالماء صوتا مزعجا، لكن انشق سكون الظلام عن صرخة صدرت من اللفافة، أذهلت الأشباح الثلاثة، فقفز أحدهم بدون تردد إلى الماء ليسكت الصراخ الصادر من اللفافة.
تري.. ما قصة هؤلاء الثلاثة؟! وما هذا الذى حملوه وألقوه فى الماء؟!
لنعد قليلا قبل هذا المشهد، ولنستمع إلى ما حدث، فقد سرت شائعة فى القرية كلها بأن أحد المزارعين قد عثر فى منزله على تمثالين أثريين ، وفى غمضة عين سيتحول إلى واحد من أغنى أغنياء قرية أم دينار، تلك القرية الوادعة الراقدة على فرع رشيد شمال محافظة الجيزة.
لم يتحقق أحد من الأمر، فالشائعة تتحول إلى حقيقة لا تقبل الجدال فى الأحاديث الهامسة بالأمسيات ، ما بين غيور وحسود، لكن الأمر كان مختلفا عند أحد جيران المزارع المحظوظ.
فقد تجاوز هذا الشاب العاطل الذى يحمل ملامح مبهمة تدور ما بين الشراسة والبلاهة، مشاعر تنغيص الغيرة وحنق الحسد، فقرر أن يجبر المزارع على تسليم واحد من التمثالين على الأقل إليه، ولم يطل تفكيره ولا تردد فى خطف أحد أبناء جاره وكان طفلا فى العاشرة من العمر.
ولأنه لن يتمكن وحده من إتمام عملية الخطف، فما كان منه إلا أن عرض الأمر على صديقين له يقاربانه فى العمر والملامح، ويشاركانه واقع العطالة الراكد وأوهام الثروة الهابطة من السماء أو الخارجة من بطن الأرض.
ولم يكن الأمر يحتاج إلى تخطيط، فالطفل يعرف الجار جيدا ويأمن له، فالجميع هنا فى أم دينار يعيشون كأنهم عائلة واحدة ولو تباعدت القرابة بينهم، فلما عرض الجار على الطفل أن يصطحبه إلى أحد محلات البقالة ليشترى له حلوي، قبل على الفور بل تهلل فرحا، لكن غير بعيد كان ينتظر الآخران فى سيارة ميكروباص انطلقت كالرصاصة بمجرد أن دفعوا فيها الطفل الذى أخرسته المفاجأة وألجمه الذهول.
وفى مكان مهجور على أطراف قرية أبو غالب فى أقصى الشمال من محافظة الجيزة، أوهم الثلاثة الطفل بأنهم سيتركونه بعد أن يسجل مقطع فيديو يستغيث فيه بأبيه ويخبره بأنهم سيقتلونه لو لم يدفع فدية كبيرة أو يتنازل عن أحد التمثالين الأثريين اللذين عثر عليهما.
ولم يكن الفيديو سوى خدعة للأب الذى توقع الثلاثة أنه سيسارع بدفع الفدية أو أحد التمثالين، فقد كان المتهم الأول قد أزمع التخلص من الطفل منذ لحظة اختطافه، فهو لن يكشف عن نفسه أمام والد الطفل وانصب همه الأول والاخير على كيفية توصيل الفدية إليه عن طريق أحد شريكيه، الذى وقع عليه الاختيار لتسلم الفدية، أما الطفل نفسه فأمر التخلص منه سهل، فقد أطبق أحدهم بكلتا يديه على أنف الطفل وفمه حتى همدت أنفاسه تحت ثقل اليدين.
وهم فى طريق عودتهم إلى القرية، نزلوا يحملون جثة الطفل وخطوا فى اتجاه ترعة الرياح البحيرى وألقوه فى الماء ، ظنا منهم أنه قد فارق الحياة ولكن صدمة المياه الباردة أيقظت الطفل من غيبوبته، فهو لم يكن قد توفى نتيجة الخنق، فاضطرب الثلاثة خشية أن يلفت صراخه الانتباه، فألقى أحدهم بنفسه فى المياه خلفه ليضغط بكل قوته على رأسه وجسده ليغرقه وهو يقاوم بكل ما أوتى من قوة، لكن لم تجد مقاومة الطفل المنهك شيئا وغاص جسده فى أعماق المياه!.
فى تلك الأوقات كان الأب ينتظر أى نبأ عن طفله الذى اختفى فجأة من أمام المنزل ، ولكنه تلقى مكالمة من مجهول مع رسالة فيديو يظهر فيها ولده مستغيثا وقد صوب أحدهم فوهة مسدس على رأسه!.
أسرع الأب ليبلغ العميد عاصم ابو الخير رئيس مباحث قطاع اكتوبر بالواقعة ، ويبدأ البحث عن الطفل وتتبع مصدر المكالمة والفيديو ولكن خلال البحث كانت جثة الطفل قد طفت على سطح الرياح، وبدأت الجريمة تزداد غموضا، فقد ثبت من الكشف على الجثة أن الوقت الذى تلقى فيه الأب المكالمة كان الطفل قد مات غرقا.
من خلال خطة بحث أشرف عليهااللواء رضا العمدة مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة، تم التوصل إلى الجناة الثلاثة الذين تبين أنهم هددوا الطفل بمسدس صوت وأقروا أمام فريق البحث، بإشراف اللواء محمد عبد التواب نائب مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة ، أنهم عزموا على قتله منذ اختطافه خشية افتضاح أمرهم، لو عاد وتعرف على جاره وأنهم صوروه ليطمئن أبوه إلى أنه مازال على قيد الحياة، ويرضخ لمطالبهم ويأخذوا التمثال أو ما يوازيه من المال، ولم يتسرب إليهم الشك فى حقيقة عثور الأب على آثار، فالقرية تكثر فيها القصص التى تختلط فيها الأساطير بالحقيقة عن الكنوز الأثرية، التى ترقد تحت بيوتها الفقيرة لتحول حياة من يعثر عليها من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، الذى يراود حلم الجميع.
وتم إخطار اللواء مصطفى شحاتة مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن الجيزة بالحادث.