عمان - الكاشف نيوز
يقترن الزواج المبكر بلائحة طويلة ولا متناهية من السلبيات التي لا جدال فيها، حيث أثبتتها مختلف البحوث والدراسات النفسية والاجتماعية، ولكن الأجداد الذين يجدون متعة في الاعتناء بأحفادهم ينظرون له من زاوية مختلفة عن السائد ويرون أن الزواج والإنجاب في مرحلة عمرية مبكرة مقارنة بغيرهم أتاحا لهم فرصة أن يصبحوا أجدادا باكرا، وأن يكونوا قادرين على البذل ويتمتعوا بطفولة أحفادهم وبمشاعر الجد واستعادة مشاعر الأمومة والأبوة وهم في أوج العطاء.
يردد الأجداد في غالبية الأسر العربية أن حب الحفيد يفوق حب الابن أو البنت، ويقول بعضهم إن تجربة الأمومة أو الأبوة التي مروا بها قد لا تكون مثالية وممتعة بسبب المشاغل اليومية وضغوط الحياة وتربية الأطفال والأعباء المالية، وهو ما يجعلهم عندما يصبحون أجدادا يحاولون استغلال تفرغهم وأوقاتهم في الاعتناء بأحفادهم رغبة في إشباع غرائز الأمومة والأبوة وخاصة عندما يكونون في صحة بدنية وعقلية ونفسية جيدة وقادرين على المزيد من العطاء.
ويعتبر بعض الأجداد -وخاصة الجدات- الذين يجدون أنفسهم غير مهملين تحتضنهم أسر الأبناء أن تعلقهم بأحفادهم أنقذهم من الفراغ وربما أعاد إلى بعضهم الرغبة في العطاء والحياة، الأمر الذي دفع بعضهم إلى التفكير في أن إنجاب الأبناء في سن مبكرة -وبالتالي زواجهم وهم في بداية مرحلة الشباب- أفادهم لأنه أتاح لهم فرصة الاعتناء والاهتمام بأحفادهم ولديهم القوة والقدرة على ذلك.
وشعرت راوية محمود -موظفة في العقد الرابع- عند قدوم أول حفيد لها بنشوة غامرة، فقد تحقق حلمها برؤية حفيدها الأول، وهي في ريعان الشباب، ثم توالى الأحفاد من أبنائها الأربعة حتى بلغ عددهم 18 حفيدًا، ولم يزل شعورها بالسعادة والغبطة يزداد يوما بعد يوم.
وتتحدث منال عبدالحميد التي نذرت نفسها لخدمة أبنائها وأحفادها، قائلة “حبي لأحفادي لا يمكن وصفه، فقد تجاوزت مشاعري تجاههم حدود توقعاتي، إنهم أحب إليَّ من أبنائي ونفسي، ولا أملّ من طلباتهم مهما كان نوعها”، ولا ترى راوية التي استقبلت أول حفيد وهي في ري الشباب أي غضاضة في أن تصبح الأم جدة في عمر مبكر، بل العكس تماما تشعر بأنها حققت الكثير وما زال لديها وقت وطاقة للعطاء ...الأجداد يرددون أن حب الحفيد يفوق حب الابن، ويقول بعضهم إن تجربة الأمومة أو الأبوة التي مروا بها قد لا تكون مثالية بسبب مشاغل الحياة
ومن ناحية أخرى يؤكد جمعة حجاج -وهو جد في العقد الخامس من العمر ولديه 13 حفيدًا- أن سعادته بأحفاده لا تعادلها أي سعادة عاشها في حياته، ويوضح “عندما جاءني نبأ ولادة أول حفيد لي شعرت كأنني دخلت الجنة، فليس هناك أعز من أبنائي سوى أبنائهم، هذا أمر في رأيي لا يقبل النقاش أو المزايدة”. ويضيف حجاج أنه يعامل أحفاده بلين وعطف أكثر من أبنائه عندما كانوا صغارا، ويشعر عندما يكون بينهم بأنه عاد صغيرًا “ألعب معهم كل الألعاب، البلاي ستيشن، سباق السيارات.. وأجلس معهم أمام الكمبيوتر ساعات طويلة دون كلل أو ملل، وأتابع معهم حتى الرسوم المتحركة، فما أجمل هذا الشعور”.
وبلا تردد تؤكد علا حمدي -ربة بيت في العقد الخامس- أن أحفادها سبب سعادتها، ولا تستطيع أن تصف شعورها نحوهم، وتضيف علا التي تزوجت وهي في السابعة عشرة من العمر، واستقبلت أحفادها في عمر مبكر، “شعور الجدة بقدوم أول حفيد لا يعادله أي شعور آخر، لقد فرحت بمجيئه أكثر من فرحي بقدوم أول مولود لي، وأعتقد أن هذا شعور طبيعي وصادق، فإذا كان الأبناء هم زينة الحياة الدنيا فالأحفاد هم الحياة نفسها، وهم الذين يمنحوننا الأمل والبهجة”.
وتقول نوال كامل -موظفة متقاعدة في العقد السادس- “ليس هناك أعز من الضنا سوى ابنه، إذن فكيف يكون شعورنا تجاه من هم أغلى من أبنائنا؟”، وترى كامل أن الأم عندما تنجب ابنها وهي في السابعة عشرة من العمر، يكون الأمر بالنسبة إليها مختلفا؛ لأن عواطفها لم تكن ناضجة ومشاعرها ينقصها التوازن، ولكن عندما يأتيها الحفيد تصبح فرحتها أكبر، وتشعر بأنه قطعة من روحها وامتداد لأمومتها، ولا ترى نوال أي مجال للمقارنة في تعاملها مع أحفادها وأبنائها.
وتردف قائلة إن رد فعل الجدة يكون مختلفًا تمامًا إذا حدث أي شيء للحفيد، لأنها تخاف عليه أكثر من خوفها على أبنائها، وتتقبل أخطاءه بصدر رحب، ولا تنزعج إذا أتلف شيئًا مثلا، حيث تجد له الأعذار، وتغضب إذا وبخه والداه أمامها، وتوضح “في الحقيقة أشعر بأن بالي يكون مع أحفادي أطول بكثير مما عليه الحال حين أكون مع أولادي، فلا أقبل أن يوجه إليهم آباؤهم أي لوم عكس ما كنت أفعل مع أبنائي”.
استعادة مشاعر الأبوة
ويقر جمال عبدالحميد -في العقد الخامس- بأن “الحفيد أغلى وأعز من الابن، خصوصًا إذا قدم إلى الحياة وجده ما زال قويا”، ويستطرد قائلًا “عندما جاءني أول حفيد شعرت بأني ملكت الدنيا بما فيها، لاسيما أن لديَّ متسعًا من الوقت وأتمتع بقدر من الصحة، وهو ما يمكنني من الاهتمام به ورعايته وتقديم كل ما لم أستطع تقديمه لأي شخص آخر وخصوصا أبنائي”.
ويؤكد عبدالحميد أن أحفاده منحوه القوة وأعادوا إليه البسمة، ويضيف “ألاعبهم وأحكي لهم عن أيام زمان ولا أشعر بفارق العمر؛ لأنهم يريدون أن أفعل كل شيء يسعدهم، وأنا مستعد لذلك تمامًا فليس هناك أغلى منهم، إنهم مصدر الطاقة والسعادة لي ولكل العائلة، وكما يقول المثل “ما أعز من الولد إلا ولد الولد”.
ويرى أستاذ علم الاجتماع ممتاز عبدالله أنه رغم مخاطر الزواج المبكر على الأسرة والمرأة، وعلى المجتمع ككل فإنه يؤدي -إذا نجح- إلى تقوية أحد أهم الروابط الأسرية في المجتمع وهو الرابط بين الأجداد والأحفاد، فالجد عندما يكون في مرحلة الكهولة مثلا يكون لديه من الحيوية والنشاط ما يمكنه من كسب ود أبنائه أو أحفاده من خلال تفرغه للاهتمام بهم ومساعدتهم واللعب معهم، وهو ما يعضد العلاقات بين أفراد الأسرة من أكبرهم إلى أصغرهم.
ولكن هناك سلبيات كثيرة للزواج المبكر من بينها تلك التي تؤثر في العلاقة بين الأجيال الثلاثة في الأسرة وهي جيل الجد وجيل الأب وجيل الحفيد خاصة في الحالات التي يكون فيها الزوجان غير قادرين على تحمل مسؤولية أبنائهما فيسلمان الأطفال إلى الجدة -سواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب- التي تقوم برعايتهم حتى يكبروا، وتكون نتيجة ذلك انتماءهم إلى الجدة أكثر من انتمائهم إلى الأم والأب.
ويضيف المختص في علم الاجتماع أن هناك أمهات يشعرن بالحزن والألم لأن أبناءهن ليس لديهم شعور عاطفي قوي تجاههن بل تجاه الجد والجدة حتى أن بعض التعليمات تضطر الأم إلى إبلاغها لأمها حتى تخبر بها أولادها الذين يحبون جدتهم ويستجيبون لها أكثر مما يستجيبون لأمهم، وغالبا ما يتدخل الجد والجدة في حياة الأبناء والأحفاد ويستجيبان لكل مطالبهم دون مناقشة وهو ما يؤدي إلى تطرف في التربية ويزيد من دلال الأطفال، ما يؤثر على سلامة وتوازن تكوينهم النفسي.