أخر الأخبار
مرسي أخطأ كثيراً... ومعارضوه
مرسي أخطأ كثيراً... ومعارضوه

 

كتب سركيس نعوم : 
ما قاله "الاخواني" المصري الكبير عن احوال بلاده وما يجري فيها منذ 30/ 12/ 2012 في الحلقات الاربع السابقة من "الموقف هذا النهار" قد يكون فيه شيء من الصحة. لكنه قطعاً لا يُعبِّر وحده عن الدوافع الحقيقية لما شهدته مصر في الأيام المذكورة، فضلاً عن ان الثقة التي عكسها كلامه بالرئاسة "الاخوانية" وبـ"الاخوان المسلمين" أنفسهم وتالياً عدم القلق من تطور الأوضاع في الداخل المصري كان فيهما مبالغة.
في اختصار، ومن خلال متابعة ما جرى ويجري في مصر، أسمح لنفسي بأن أعلق على اقوال "الاخواني" المصري الكبير بالآتي:
1 - أخطأ الرئيس مرسي عندما "احيا" مجلس الشعب بعدما كان تم حلُّه وفقاً للقوانين. إذ بالغ في تقدير قوته وقوة من يمثل واساء تقدير قوة معارضيه ومن يُمثِّلون. وقد دفع ثمن الخطأ تراجعاً عن "الاحياء". ودفع ذلك كثيرين الى الشك في خبرته السياسية وفي قدرته على إدخال البلاد عالم الحرية والديموقراطية. كما دفعهم الى التجرؤ عليه والاقتناع بأن الربح عليه ممكن.
2 – أخطأ الرئيس مرسي عندما اصدر "اعلانه الدستوري" غير الديموقراطي، ولا سيما في ظل الخلافات الشديدة بين احزاب مصر وفاعلياتها حول الدستور الجديد. والخلافات تركزت على قضايا عدة تتعلق بالحرية عموماً وبتحويل مصر دولة دينية. وبخوف الاقليات الدينية وفي مقدمها الاقباط من استمرار أو تضاعف المعاملة السيئة التي كانوا يلقونها في عهود "الديكتاتورية".
3 – أخطأ الرئيس المصري عندما لم يتعلم من إجبار "الشعب" إياه على التراجع عن "احياء" مجلس الشعب، اي لم يعتقد انه قد يفرض عليه التراجع مرة ثانية، أو ربما يدعو الى اسقاطه كما مبارك. والتعلُّم كان يفرض عليه ان يتعامل مع موضوع الدستور، ورغم مماحكات الجهات التي كانت تضعه والتي كان معظمها ربما في غير محله، بالحوار والتفاهم والتسويات وليس بالفرض الذي لا يمتلك امكانات تحقيقه. هذا اذا كان مقتنعاً فعلاً انه لا يمتلكها.
4 – أخطأ الرئيس مرسي باستعمال تظاهرات الدعم له من "إخوانه" وحلفائه السلفيين. ذلك ان ما حصل بينهم وبين معارضيه عزز انطباع هؤلاء ان "الاخوان" ميليشيا منظمة جاهزة لاستعمال القوة. وكشف ان الهدف النهائي الفعلي لهم هو دولة الشريعة اي دولة دينية. واظهر انهم يعتبرون كل مصري مسلم معارض لهم كافر او مع دولة الكفر أي أخرجوه من اسلامه، وهذا ليس صحيحاً. فالغالبية الساحقة من المتظاهرين ضد مرسي مسلمة ومتدينة، وكان عليه ان يأخذ وجودها ورأيها في الاعتبار.
5 – أخطأ الرئيس مرسي بعدم اعتماده على الجيش بل على "اخوانه" وحلفائهم السلفيين لمواجهة غضب الشارع. ولا يبرر ذلك "خوف" ما منه او من حيادِه او من رغبة عند قادته وقبل "تحويله اسلامياً"، في ردّ الضربة التي تلقاها "المجلس العسكري" من مرسي قبل اشهر. وخطر هذا الخطأ انه وضع مصر كلها امام خيار من اثنين خطيرين جداً. الأول، حرب اهلية بين "اخوان" وسلفيين يمثلون فئة كبيرة من شعب مصر، ومعارضين لهم متنوعي الانتماءات والأهداف وغير منظمين كلهم، لكنّ لهم ثقلاً شعبياً مهماً. اما الثاني، فهو إعطاء الجيش الفرصة مجدداً لوضع اليد على البلاد بغية منع الفوضى والحرب، وإن على حساب الديموقراطية الوليدة.
طبعاً لم يخطئ الرئيس مرسي بتراجعه الجزئي الاخير، الذي قد لا يكون كافياً. لكن قد يُخطئ معارضوه اذا قرّروا انه ضعف وصار الاجهاز عليه وعلى "اخوانه" ممكناً، اي اذا تجاهلوا تراجعه. علماً انهم اخطأوا كثيراً إذ انتقلوا سريعاً من سلمية التحرك الى عنفيته، ومن المطالبة بالتراجع عن الاعلان الدستوري ومترتباته الى المطالبة باسقاط النظام. فضلاً عن انهم لم يكونوا موحدي الرؤية والهدف عندما كان البحث في نصوص الدستور الجديد جارياً. وربما كانت مصالحهم هي التي تقرر مواقف كل منهم.
في اختصار، يبدو حتى الآن على الأقل ان حل الازمة المصرية المستجدة، يبقى ممكناً في ضوء استمرار اميركا في اعتبار الرهان على "الاخوان" في مصر قد يضعف "الاسلامية الارهابية" كما تسميها. وقد ظهر ذلك في دعوتها المصريين الى الحوار ورفض العنف في الشارع، وفي عدم إدانتها الخطوة اللاديموقراطية لمرسي، وفي الموقف الاخير للجيش المصري الذي دعا الى الحوار ورفض العنف لأن نتائجه كارثية. وهو لن يقبل ذلك. وفي التراجع "الجزئي" لمرسي الذي قد يكون نصحه به "اخوانيون" كبار زاروا أميركا الاسبوع الماضي لأيام عدة وبحثوا في "كل شيء" مع ادارتها.
*نقلا عن صحيفة "النهار" اللبنانية

كتب سركيس نعوم : 
ما قاله "الاخواني" المصري الكبير عن احوال بلاده وما يجري فيها منذ 30/ 12/ 2012 في الحلقات الاربع السابقة من "الموقف هذا النهار" قد يكون فيه شيء من الصحة. لكنه قطعاً لا يُعبِّر وحده عن الدوافع الحقيقية لما شهدته مصر في الأيام المذكورة، فضلاً عن ان الثقة التي عكسها كلامه بالرئاسة "الاخوانية" وبـ"الاخوان المسلمين" أنفسهم وتالياً عدم القلق من تطور الأوضاع في الداخل المصري كان فيهما مبالغة.
في اختصار، ومن خلال متابعة ما جرى ويجري في مصر، أسمح لنفسي بأن أعلق على اقوال "الاخواني" المصري الكبير بالآتي:
1 - أخطأ الرئيس مرسي عندما "احيا" مجلس الشعب بعدما كان تم حلُّه وفقاً للقوانين. إذ بالغ في تقدير قوته وقوة من يمثل واساء تقدير قوة معارضيه ومن يُمثِّلون. وقد دفع ثمن الخطأ تراجعاً عن "الاحياء". ودفع ذلك كثيرين الى الشك في خبرته السياسية وفي قدرته على إدخال البلاد عالم الحرية والديموقراطية. كما دفعهم الى التجرؤ عليه والاقتناع بأن الربح عليه ممكن.
2 – أخطأ الرئيس مرسي عندما اصدر "اعلانه الدستوري" غير الديموقراطي، ولا سيما في ظل الخلافات الشديدة بين احزاب مصر وفاعلياتها حول الدستور الجديد. والخلافات تركزت على قضايا عدة تتعلق بالحرية عموماً وبتحويل مصر دولة دينية. وبخوف الاقليات الدينية وفي مقدمها الاقباط من استمرار أو تضاعف المعاملة السيئة التي كانوا يلقونها في عهود "الديكتاتورية".
3 – أخطأ الرئيس المصري عندما لم يتعلم من إجبار "الشعب" إياه على التراجع عن "احياء" مجلس الشعب، اي لم يعتقد انه قد يفرض عليه التراجع مرة ثانية، أو ربما يدعو الى اسقاطه كما مبارك. والتعلُّم كان يفرض عليه ان يتعامل مع موضوع الدستور، ورغم مماحكات الجهات التي كانت تضعه والتي كان معظمها ربما في غير محله، بالحوار والتفاهم والتسويات وليس بالفرض الذي لا يمتلك امكانات تحقيقه. هذا اذا كان مقتنعاً فعلاً انه لا يمتلكها.
4 – أخطأ الرئيس مرسي باستعمال تظاهرات الدعم له من "إخوانه" وحلفائه السلفيين. ذلك ان ما حصل بينهم وبين معارضيه عزز انطباع هؤلاء ان "الاخوان" ميليشيا منظمة جاهزة لاستعمال القوة. وكشف ان الهدف النهائي الفعلي لهم هو دولة الشريعة اي دولة دينية. واظهر انهم يعتبرون كل مصري مسلم معارض لهم كافر او مع دولة الكفر أي أخرجوه من اسلامه، وهذا ليس صحيحاً. فالغالبية الساحقة من المتظاهرين ضد مرسي مسلمة ومتدينة، وكان عليه ان يأخذ وجودها ورأيها في الاعتبار.
5 – أخطأ الرئيس مرسي بعدم اعتماده على الجيش بل على "اخوانه" وحلفائهم السلفيين لمواجهة غضب الشارع. ولا يبرر ذلك "خوف" ما منه او من حيادِه او من رغبة عند قادته وقبل "تحويله اسلامياً"، في ردّ الضربة التي تلقاها "المجلس العسكري" من مرسي قبل اشهر. وخطر هذا الخطأ انه وضع مصر كلها امام خيار من اثنين خطيرين جداً. الأول، حرب اهلية بين "اخوان" وسلفيين يمثلون فئة كبيرة من شعب مصر، ومعارضين لهم متنوعي الانتماءات والأهداف وغير منظمين كلهم، لكنّ لهم ثقلاً شعبياً مهماً. اما الثاني، فهو إعطاء الجيش الفرصة مجدداً لوضع اليد على البلاد بغية منع الفوضى والحرب، وإن على حساب الديموقراطية الوليدة.
طبعاً لم يخطئ الرئيس مرسي بتراجعه الجزئي الاخير، الذي قد لا يكون كافياً. لكن قد يُخطئ معارضوه اذا قرّروا انه ضعف وصار الاجهاز عليه وعلى "اخوانه" ممكناً، اي اذا تجاهلوا تراجعه. علماً انهم اخطأوا كثيراً إذ انتقلوا سريعاً من سلمية التحرك الى عنفيته، ومن المطالبة بالتراجع عن الاعلان الدستوري ومترتباته الى المطالبة باسقاط النظام. فضلاً عن انهم لم يكونوا موحدي الرؤية والهدف عندما كان البحث في نصوص الدستور الجديد جارياً. وربما كانت مصالحهم هي التي تقرر مواقف كل منهم.
في اختصار، يبدو حتى الآن على الأقل ان حل الازمة المصرية المستجدة، يبقى ممكناً في ضوء استمرار اميركا في اعتبار الرهان على "الاخوان" في مصر قد يضعف "الاسلامية الارهابية" كما تسميها. وقد ظهر ذلك في دعوتها المصريين الى الحوار ورفض العنف في الشارع، وفي عدم إدانتها الخطوة اللاديموقراطية لمرسي، وفي الموقف الاخير للجيش المصري الذي دعا الى الحوار ورفض العنف لأن نتائجه كارثية. وهو لن يقبل ذلك. وفي التراجع "الجزئي" لمرسي الذي قد يكون نصحه به "اخوانيون" كبار زاروا أميركا الاسبوع الماضي لأيام عدة وبحثوا في "كل شيء" مع ادارتها.
*نقلا عن صحيفة "النهار" اللبنانية