عمان - الكاشف نيوز
يمكن تعريف البرود الجنسي عند النساء بأنه ضعف الرغبة لممارسة الجنس نتيجة تضاؤل أو انعدام الدافع الجنسي. وينقسم إلى برود بدئي (أولي)، عندما لا تتعرّف المرأة منذ بداية نضوجها على الإثارة ولا تصل أبدا إلى الرعشة الجنسية، وتقدر الإحصائيات الغربية أن واحدة من كل عشر نساء تنطبق عليها هذه الحالة. ومنأسباب هذا النوع من البرود، الكبت والشعور بالذنب عند التفكير بالجنس، أو التعرض للاستغلال أو العنف الجنسي في مراحل سابقة.
والنوع الثاني هو البرود الجنسي الثانوي وهو أن تمر المرأة بعدة أشهر من ضعف الرغبة الجنسية، ويتمظهر بعدم حصول الرعشة في أغلب الممارسات الجنسية أو تأخرها الشديد، وانخفاض حدّتها في حال حدوثها، قد يحدث هذا البرود في ممارسات جنسية معينة أو بجميع الممارسات والوضعيات. تقول بعض الدراسات إن 43 في المئة من النساء عانين من هذه الحالة، وترتفع هذه النسبة إذا تضمن الاستبيان سؤال المرأة عن عدم رضاها عن حياتها الجنسية.
الخبر الجيد أن غالبية حالات البرود الجنسي قابلة للعلاج
تتداخل مجموعة من العوامل في تشكيل الاستجابة الجنسية عند النساء، منها الفيزيولوجي والعاطفي، ومنها ما له علاقة بتجاربها السابقة أو معتقداتها أو منظومتها القيمية ونمط حياتها، وأي خلل في أي من هذه العوامل قد ينعكس على محتوى وميول ودرجة إشباع الرغبة الجنسية عندها.
في الأحوال العادية، يمر التفاعل والاستجابة الجنسية عند المرأة بأربع مراحل، تبدأ بالإثارة أو التهيج، ثم المحافظة على حالة التهيج وتصاعدها حتى الوصول للرعشة، التي يعقبها إما العودة إلى مرحلة التهيج والتي تمهّد لرعشة جديدة، أو إلى مرحلة الاسترخاء التام السابق للإثارة.
وتتضافر عدة أسباب كل منها يحفّز الآخر لتؤدي إلى البرود الجنسي، فانخفاض الرغبة في الممارسة الجنسية أو الخوف منها يؤدي إلى نقص مفرزات المهبل وجفافه، وهذا الجفاف يجعل العملية الجنسية مؤلمة، والألم بزيد بدوره من الجفاف وتدور هكذا في حلقة مفرغة تؤدي أحيانا إلى تشنج مهبلي لا إرادي ناجم عن الخوف من الجماع.
وفي حالات أخرى يكون هناك تراوح أو تقلّب بالأحاسيس، مثل أن تكون هناك رغبة جنسية قبل البدء بالعملية الجنسية، ولكنها سرعان ما تذهب مع بداية العلاقة الجنسية إما بسبب صفات أو ممارسات الشريك، أو بسبب طريقة تفكير المرأة، حين يأخذها عقلها لمواضيع بعيدة عن الجنس تمنعها من المحافظة على حالة الإثارة.
تؤدي الكثير من الاضطرابات والأمراض العضوية والغديّة والعصبية والنفسية إلى البرود الجنسي ولكل منها علاجها الخاص. وهناك بعض الأدوية العصبية والنفسية التي قد يؤدي استعمالها للبرود الجنسي، بالإضافة إلى أن ظروف العمل ومتاعب الحياة ومشاكل التفاهم مع الشريك قد تنعكس أيضا ببرود جنسي. وهناك أيضا نقص الحماس أو الاندفاع للجنس نتيجة الخلفية الثقافية والدينية أو وجود أفكار مغلوطة حول الجنس، وأحيانا وجود حساسية أو عدم رضى عند السيدة من شكل جسمها يجعلها تتهرب من الجنس.
ومن أكثر الأسباب شيوعا عند المتزوجين الملل أو التبرّم من الجنس الروتيني المنتظم، بالإضافة لأسباب لها علاقة بالوضع الاقتصادي حين تتشارك أسرة كبيرة الحياة في بيت صغير لا يسمح بالخصوصية لأحد، مما قد يؤخّر التعرف على الرغبة الجنسية، وكلما تأخر اكتشاف الرغبة الجنسية أو تأخرت التجربة الجنسية الأولى كلما قلّت العفوية والتلقائية بممارسة الجنس وارتفع احتمال حصول البرود الجنسي.
أغلب المعلومات المتاحة حول البرود الجنسي عند المرأة مصدرها دراسات وإحصائيات أجرتها مراكز غربية، لصعوبة إجرائها في المنطقة العربية نتيجة السرية التي تحاط فيها هذه المواضيع، ورغم القواسم المشتركة بين جميع النساء، لكن الخصوصيات المحلية الاجتماعية والثقافية تترك أثرا خاصا في موضوع جسدي ونفسي معقّد مثل البرود الجنسي.
تؤدي الكثير من الاضطرابات والأمراض العضوية والغديّة والعصبية والنفسية إلى البرود الجنسي
لذلك، من المتوقع أن تكون نسبة النساء اللاتي يعانين من برود جنسي في المجتمعات العربية أعلى قليلا من نتائج الدراسات الغربية، نتيجة العادات التي تسمح بزواج الطفلات أو بوجود فارق كبير في السن بين الزوجين، ونتيجة أسلوب الزواج التقليدي في المجتمع العربي، والذي يتضمن دفع رجل وامرأة إلى غرفة لخوض علاقة جنسية كاملة خلال دقائق بدون وجود تمهيدات جنسية سابقة بينهما، وبدون أن يكون لديهما ثقافة جنسية كافية، بل يتم في هذه المجتمعات اعتبار ليلة العرس اختبارا لفحولة للرجل دون إعطاء الاهتمام لمشاعر ورغبة المرأة، بحيث تتعرف المرأة على الجنس بطريقة غير مشجّعة، ويضاف إليها انتشار ختان الإناث في بعض المجتمعات العربية والتي تعتبر تجربة مؤلمة ومهينة قد تترك أثرا على الرغبة الجنسية مستقبلا.
ومن جهة أخرى تحرص في المجتمعات العربية على ترك انطباع العفّة عند زوجها مما يجعل من الصعب عليها أن تطالبه بممارسات أو أساليب معينة تسعدها خلال العلاقة الجنسية مما قد يؤثر على استمتاعها في هذه العلاقة.
وفي حالة النساء اللواتي تعرضن في الماضي إلى حوادث اعتداء جنسي، فإن المجتمعات العربية تلوم النساء على هذه الحوادث وتعتبرها وصمة عار مما يمنع المرأة من ذكرها لشريكها رغم أن ذلك كان سيساعده في تفهم مخاوفها ومتطلباتها والعمل على تجاوزها.
وقد اطلعت خلال عملي الطبي على عدة حالات اعتداء جنسي على طفلات أو فتيات من قبل محارم أو من قبل غرباء، وكانت المضاعفات السلبية لهذه الاعتداءات على الحياة الجنسية للمرأة تزداد كلما كانت هذه التجربة عنيفة أو كلما تعمّد الجاني إثارة خوف الضحية حتى يضمن صمتها.
الخبر الجيد أن غالبية حالات البرود الجنسي قابلة للعلاج. لكن حتى تنجح الاستشارة الجنسية يجب أن تتضمن الصراحة التامة في أدق تفاصيل ما يريده كل طرف من الآخر. ومما يساعد على النجاح أنه من الممكن للمرأة التعرف على الرعشة الجنسية لأول مرة في أي عمر، في تراوح واسع بين ما قبل البلوغ حتى أي مرحلة متأخرة خلال حياتها.
ومن مشاهداتي خلال عملي الطبي في دمشق أن إحدى السيدات اكتشفت الرعشة لأول مرة عندما كانت في الأربعين من عمرها أثناء قيلولة ظهرا بعد مرور أكثر من عقدين على زواجها من رجل يكبرها. وسيدة أخرى تعرفت على الرعشة بعد فترة من ولادة ابنها الثاني عندما كانت في منتصف العشرينيات من عمرها. وتقول نسبة كبيرة من النساء إن الرعشة الجنسية لديهن أصبحت أكثر حدوثا وأقوى حدّة في نهاية الثلاثينيات أو بعد ذلك، ربما نتيجة زيادة خبرتهن وجرأتهن في التعبير عن أنفسهن ومطالبهن وحاجاتهن.
ترتكز المعالجة على مواجهة مصاعب العلاقة مع الشريك والتدريب على زيادة التواصل بين الطرفين لتأمين الاسترخاء وتخفيف القلق، واكتشاف أفضل الطرق لوصول المرأة إلى الإثارة المثلى، والتي تتطلب أحيانا تخصيص وقت أطول في العلاقة الجنسية للتقارب العاطفي والجسدي والمزيد من مداعبة الأعضاء الحميمة من قبل الشريك بالطريقة التي تحددها المرأة. ففي مقال في "ديلي بيست" حول هذا الموضوع ذكرت الدكتورة لوري مينتز أن 78 في المئة من النساء اللاتي لديهن مشاكل بالوصول للرعشة كان سببها إمّا أن مدة المداعبة الخارجية كانت غير كافية أو أن طريقة هذه المداعبة كانت غير صحيحة. كما تنصح منتز النساء بتجنب الانقطاع عن الجنس لمجرد سوء تفاهم بسيط مع الشريك أو نتيجة غيابه ولو عبر ممارسة العادة السرية، لأن الانقطاع قد يؤدي إلى تثبيط الرغبة الجنسية.
حتى تنجح الاستشارة الجنسية يجب أن تتضمن الصراحة التامة في أدق تفاصيل ما يريده كل طرف من الآخر
وحسب الإحصائيات العالمية 65 حتى 85 في المئة من حالات البرود الجنسي عند المرأة يمكن مساعدتها بهذه الأساليب السلوكية، وإذا أضيف إليها المعالجة الدوائية أو الهرمونية وغيرها ترتفع هذه النسبة إلى 75 حتى 90 في المئة.
وتحقق المعالجة أعلى نسبة نجاح عندما تبدأ في سن أصغر، وعندما تكون البنية النفسية للشريكين سليمة، وبشكل خاص عندما يكون الزوج محبّا ومتفهما.
لهذه الأسباب وغيرها، آن الأوان في المجتمعات العربية لكشف الغطاء عن المواضيع الجنسية والتحدث عنها بصراحة مثل بقية العالم ومواجهة مشاكلها عوضا عن المكابرة وإنكار وجودها، لأن إقامة علاقة جنسية مُرضية وممتعة للطرفين ينعكس إيجابا على الحالة الصحية والنفسية للرجل والمرأة والعائلة والمجتمع.