عمان - الكاشف نيوز
حين يُطرح سؤال: "ما هو الحب؟"، فإن التقليد الفلسفي يقترح إجابتين أساساً. الأولى هي إجابة أفلاطون والتي أرى أنها غير مقنعة لكنها تظل جزءاً من تاريخ التفكير في الظاهرة، ففي محاورة "المأدبة"، يقول أفلاطون على لسان سقراط: الحب هو الرغبة، وأن الرغبة هي النقص أو الافتقار، فما لا نملكه، ما لا نكونه، ما ينقصنا، تلك هي أغراض الرغبة، تلك أغراض الحب.
هنا أضيف أنه بناء على هذا المنطق لا يوجد حبٌّ سعيد، فباعتبار أن الحب نقصٌ وافتقار، فنحن بلا خيار بين وضعية حبّ وأخرى، إننا حين نحبّ ما هو ليس نحن، ما ينقصنا، فإننا نضع أنفسنا أمام نقصنا، ولذلك فالحب كان دائماً وضعية غير مريحة. وفي هذه الحالة إما أن نُشبع نقصنا فلا يكون هناك حبٌّ بحكم تعريفه كنقص، أو أننا نبقى نحبّ بما يعني أننا بقينا على النقص نفسه، أو أن موضوع الحب لا يوفّر لنا الإشباع، كأن يكون وصال المحبوب مستحيلاً.
لعلنا هنا نفهم أكثر معنى "الحبّ الأفلاطوني"، إنه علاقة لا تكتمل، لا تعرف الإشباع، لأن اكتمالها أو إشباعها هو نهايتها، لذلك يبقى الحب الأفلاطوني أفلاطونياً، الحب كنقص دائم من أجل أن يستمرّ. من هنا، وإذا أردنا أن نمازج نظرية صاحب "الجمهورية"، فليس أسهل من تقويض النظرية الأفلاطونية في الحب، إذ يكفي لذلك إحضار عاشقين سعيدين. وأنا ممّن يعتقدون بأنه يوجد عشّاق سعداء.
لذلك، كان لا بدّ من تعريف آخر للحب، تعريفٌ يأخذ في الاعتبار إمكانية وجود عشّاق سعداء. وهذا بالضبط ما انتبه له أرسطو، لذا فقد عرّف الحب في جملة واضحة كالفجر: "أن نحب، يعني أن نشعر بالسعادة"، وهي فكرة سيستأنفها سبينوزا بالتطوير بعد قرون طويلة حين يعرّف الحبّ كـ"حالة فرح ترافق موضوعاً خارج الذات"، وأنا بعد قرون من سبينوزا أجد بأن هذه الفكرة هي الأكثر تعبيراً عن الحب، فأن نحبّ يعني أن نكون سعداء بموضوع خارجنا. هكذا لم يعد الحبّ نقصاً.
يُرجع جميع هؤلاء الفلاسفة الحبّ إلى الرغبة، فيراها أفلاطون نقصاً، ويراها أرسطو وسبينوزا قوة. من حسن حظّنا ألا يكون الحبّ فقط نقصاً، ألا يكون فقط سبباً في هشاشتنا وحزننا. إنه على العكس يمكنه أن يكون سبباً في إسعادنا، بل وأكثر حين يجعلنا نُسعد غيرنا.
* نص لـ أندريه كونت سبونفيل من كتاب "ما هو الحبّ؟"، صدر في 2001 عن منشورات "ليسبري دوتون"، وقد وضعه بالاشتراك مع الأنثربولوجي فيليب بونوا، والطبيب بيير كوستا، وكانت فكرة الكتاب عقد نقاش حول فكرة الحب من منطلقات اختصاصاتهم المتفرّقة.