عمان - الكاشف نيوز
ما إن تسأل أحدهم سؤالًا حتى يتغير لونه، ويحمر وجهه، ويقشعر بدنه، وربما يحني رأسه خجلًا وكأنك سألته هل سرقت هل قتلت هل فعلت أمرًا مخجلًا؟ هذا السؤال هو هل تحب؟
هذا السؤال رغم بساطته إلا أن جوابه معقد كأسئلة الامتحانات البسيطة ذات الأجوبة الصعبة، وذلك لأننا في زمن اقتصرت كلمة الحب الواسعة على مفهوم ضيق جدا ألا وهو الحب بين الفتاة وبين الشاب وقد نسوا أو ربما تناسوا أن هذا المعنى أكبر بكثير مما يصفون، قد نسوا أن هذا الحب يكون لأشياء محسوسة وأحيانًا غير محسوسة كالجنة مثلا وأحيانا يكون لأشياء لا حراك لها كمن يهوى مدينة معينة فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإني لأعلم إنك أحب بلاد الله إليّ وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت)، وهنالك الكثير من الأمثلة لست بصدد أن أسردها بحكم أن هذا ليس الموضوع الرئيسي ولكن ما أود التأكيد عليه هو أن كل شيء في هذا الكون الواسع قد يحب سواء كان بشرا أو حجرا أو حيوانًا ومن المؤكد أنه لا يغيب عن عقولكم مدح الشعراء للخيول مثلا حيث قال أحدهم:
إذا ما الخيل ضيعها أناس … ربطناها فشاركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم … ونكسوها البراقع والجلالا
هذا قد قيل في الخيل وكأنه يقال في حق معشوقته حيث لم يقتصر مفهوم الحب لدى السابقين على مفهومنا الحالي.
أنا لست ضد الحب ولكن ضد مفهوم البعض الضيق عن الحب حتى أدخلونا في فوضى الحب الكاذب وإن ادعيت أني ضده لخالفتني فطرتي التي فطرت عليها وما يساندني في هذا قول نزار قباني في قصيدته الشهيرة ماذا أقول له حيث يقول فيها:
الحب في الأرض بعض من تخيلنا … لو لم نجده عليها لاخترعناه
كأنه يقول في هذا البيت إنه لا حياة في هذا الكون سوى مع الحب وبدونه لا حياة.
إن ما يعيشه شباب اليوم هو فوضى الحب حيث لم تعد ترى شابًا في مقتبل العمر إلا ولديه حبيبة لا يستطيع النوم بدون سماع صوتها وكأنه ما يزال طفلًا لا يستطيع النوم إلا عن طريق سماع قصة ما قبل النوم، وأيضا ترى بعضهم يخطون على أيديهم اسماء من يحبون لأجل ألا تفارقهم حتى وإن كانوا داخل الحمامات أو أي مكان آخر، وآخر غير من شكل شعره وجعله شائكًا مثل القنفذ وحتى لا يقترب منه أحد وقد يكون هذا أمرا من حبيبته ربما يكون هذا هو السبب، وهناك العديد والعديد من هذه الشعائر أي شعائر الحب الكاذب وما إن يتقدم هذا الثنائي بالعمر حتى ينفصلا لعدم وجود حب أصلا إنما كانت مشاعر زائفة هذا الأمر تماما كالحمل الكاذب حيث لا يوجد جنين إنما فقط توجد أعراض للحمل وكذلك الحب لا حب إنما أعراض الحب كشكل الشعر ورسم الاسم على الأيدي وغيرها وهذه الأعراض تزول بزوال الحب، ولكن السؤال هنا ما هو الذي دفعهم لاختلاق قصة الحب الزائفة والتي عندما سيتقدمون بالعمر سيضحكون على تفاصيلها؟
أكثر سبب أرجحه هو ذاك الشيء اللعين ألا وهي الدراما حيث لم يعد هناك مسلسل إلا وتوجد به قصة حب تؤجج عواطف أولئك المستهدفين الذين يجلسون أمام الشاشة طوال الوقت وعائلتهم تنتظر الزمن الذي يأتي لترى فيها أبناءها المميزين! وسؤالي هنا للآباء هو كيف تنتظر أن يكون أولادك مميزين ومعلموهم هم أناس لم تميزهم سوى قصة الحب الزائفة والتي تنتهي دائمًا بالسعادة والحب والزواج وهذا عكس ما رأيته تماما على أرض الواقع حيث أني قضيت 22 عاما من عمري ولم أر قصة حب تكلل بالزواج حتى في الأمم السابقة لم نر أحدا تزوج من أحبه، فهل تزوج عنترة من عبلة وهل تزوج قيس من ليلى وأما روميو وجولييت فكان مصيرهما الموت، وربما كان هناك بعض من توجت قصتهم بالزواج ولكني أراهن أن الحب الحقيقي كان حاضرا في القصة.
اما عن شباب اليوم فهم وبسبب الضخ الدرامي الهائل والقصص المتراكمة من قصص الحب يشعرون بعقدة النقص حيث لا حبيب له وتبدأ الشكوك تراوده لينهي الأمر بأن يذهب هائمًا على وجهه باحثًا عن قصة حب كيفما كانت ليشعر بشعور الشخص الحزين والمظلوم وهذا ما تستهويه النفس البشرية أن يشعر بأنه الضحية كما شعر ذاك الممثل هو يريد أن يعيش قصة حب مع أي شيء حتى لو كانت قطة يتغزل في عيونها ليفاجأ فيما بعد أن قصته خالية من المشاعر التي كان يراها في ذلك المسلسل أو تلك القصة، وما أريد أن أوجهه لهؤلاء هو أن الحب لا يبحث عنه إنما هو من يأتيك بدون إرادتك وتلك هي الخطورة و(الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) كما في الحديث النبوي، فلا تتعب نفسك في أمر ليس بيدك فإذا وقع الحب وقع وإذا سألت المحب لماذا أحببت فلان فلن يعرف الإجابة وإذا سألته لماذا كرهت فلان فلن يعرف الإجابة وذلك لأن الروح من أمر ربي لا يعلمها إلا هو.
أنا لا أنفي وجود الحب أو أعلى مراحله وهو العشق الذي استعاذ منه ابن عباس عندما رأى أحد العاشقين وقد بان عليه التعب وأصبح نحيلًا وهذا ما يجنيه العشق والمصيبة الأكبر أن لا دواء لهذا العشق إلا الزواج الذي ربما لا يتحقق ولهذا عليكم أن تعلموا أن الإعلام إذا أظهر لكم شيئًا أحيانا يتوجب عليكم توقع عكسه فالعشق وإن كان أمرا جميلا إلا أن في خفاياه الكثير من الأوجاع وخصوصا إذا لم يحصل العشاق على بعضهم، وعلى سبيل المزاح قال لي صاحبي الذي خبرته عاشقًا يشفق عليه وقد تغيرت ملامحه قال لي ذات يوم باللغة الشعبية: إذا لم يخسر العاشق من وزنه سبعة كيلو جرام شهريًا فلا يستحق لقب العاشق ثم قال ناصحا بما أنك تريد خسارة الوزن فادخل لعالمنا.
أعزائي إن آخر ما أريد أن أنهي به هذا المقال أن البعض أراد إشغال الناس بهذه القصص عن أمور أهم تتعلق بمستقبل دول ولا ينبغي على الشاب أن يكون أكبر همه أن يعيش قصة حب متناسيا أولئك الذين فقط يريدون أن يعيشوا، ويحكى أن جاسوسًا أرسله الإسبان إلى بلاد الأندلس ليستكشف حالهم فوجد طفلًا يبكي عند بئر فسأله ما يبكيك؟ قال أعطاني أبي عشرة سهام فأصبت تسعة وأخطأت واحدًا فأرسل لملكه أن هذا قول أطفال الأندلس فما بالك بجيوشهم، ثم مرت السنين وعاد الجاسوس مرة أخرى ليجد شابًا يبكي فسأله ما يبكيك؟ قال: حبيبتي تركتني، ففرح الجاسوس وعاد ليرسل لملكه قائلًا (الآن نغزوهم) والتاريخ يعيد نفسه اليوم من خلال أحد الثغرات فالعالم قد غزا بلداننا من دون جيوش إنما من خلال قوته الناعمة وهذا ما يحدث حينما لا نعرف ترتيب أولوياتنا.
أنا لست ضد الحب الذي يكون لك مصدر قوة كحب بلدك لتدافع عنه ولكن ضد الحب الذي يشكل نقطة ضعف لك، تماما كما حدث في قصة الأندلس.