الكاشف نيوز - وكالات
رغم الحديث عن قضية " زواج القاصرات "، منذ سنوات طويلة، وتناول العديد من الأعمال الفنية لهذه الظاهرة الخطيرة، لا تزال القوانين الرادعة غائبة، تاركة هذه العادة المنتشرة بالقرى تنهش في أجساد فتيات صغار لايزلن يلعبن "الحجلة" في الشارع، ولا يعلمن شيئا عن الزواج.
الوقائع التي تكشفها الأخبار بشكل شبه يومي تثير قشعريرة في الأبدان لفتيات أعمارهن أقل من 14 عاما، وكلهن استبيحت أعراضهن بورقة "الزواج العرفي".
أحدث هذه الوقائع قال فيها الجاني حين واجهته النيابة بواقعة ممارسته الرذيلة مع طفلة : "تزوجتها عرفي وكل حاجة برضاها".
ففي مشهد غير إنساني، استغل ذئب بشري سذاجة طفلة صغيرة، واستدراجها ليمارس معها الرذيلة بالقليوبية، ودفعه شيطانه بكتابة عقود زواج عرفي، للهروب من المساءلة القانونية، حتى ظهرت علامات الحمل على الطفلة ويكتشف أهلها الأمر بوضع الطفلة ذكر، الأمر الذي جعل أسرتها تتقدم ببلاغ في قسم كفر شكر لتنتقم وتأخذ حقها من الجاني.
تعود أحداث الواقعة بعدما قامت ممرضة برفقتها ابنتها "13 عاما"، بالتوجه لمركز كفر شكر والإبلاغ عن عامل لتغريره بابنتها ومعاشرتها معاشرة الأزواج منذ فترة زمنية، نتج عنها حملها ووضعها مولودا ذكرا، وتمكن رجال الأمن من ضبط المتهم، وبسؤاله اعترف بارتكابه الواقعة قائلا: "اتجوزتها عرفي وكل حاجة كانت برضاها"، وتم إخلاء سبيله من النيابة بعدما قدم عقود الزواج العرفي.
هذه الحادثة فتحت الباب أمام تساؤلات عدة حول جواز عقد الجواز العرفي من قاصر من دون علم أهلها، ولماذا إذا تم الزواج عرفيا بعلم الأهل وبتوثيق الأوراق يتم عقاب الأب والأم والمأذون ولا يعاقب الزوج على هذا الأمر، وهل زواج القاصر بالتراضي يؤخذ به، وما رأي الدين حول زواج قاصرعرفيا حتى إذا كان بالتراضي.
"بوابة الأهرام" بحثت عن إجابة لهذه الأسئلة وصولا إلى حقيقة ما يحدث في ملف " زواج القاصرات عرفيا"، خاصة أن الأمر بات مكررا، وأصبح استغلال الأطفال جنسيا أمرا مباحا والزواج العرفي ورقة رابحة للزوج للهروب من المساءلة القانونية، لوجود فراغ تشريعي وغياب عقوبة الوالد والمأذون إلا في حالة توثيق الزواج بالمحكمة والفتاة قاصر، ويعتبر جناية تزوير، لكن طالما لا زال عقد الزواج عرفيا بين الأهل فقط فلم ينص القانون على عقوبة، وغياب عقوبة الزوج نهائيا.
الموقف القانوني
نص الدستور المصري في المادة 80 على أنه يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ونصت المادة الخامسة من القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، "ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 عاما، ويعاقب تأديبيا كل من وثق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة، بحسب ما أكده الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستور ي.
وينص قانون العقوبات 227، على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو غرامة لا تزيد عن 3 آلاف جنيه لكل من أبدى أمام السلطة العامة ببيانات بقصد بلوغ أحد الزوجين السن القانوني للزواج، كما يعاقب بالحبس أو غرامة لا تزيد عن 50 جنيها كل شخص حمله القانون سلطة إبرام عقد زواج وهو يعلم أن أحد الطرفين لم يبلغ السن المحدد في القانون، وتشمل العقوبة كلا من الوالي المسئول والمأذون والشهود فقط.
كما ينص قانون 64 لسنة 2010، أنه يعتبر الزواج المبكر من بين حالات الاتجار بالبشر وعقوبته مؤبد وغرامة 100 ألف جنيه للوالي المسئول عن إتمام الزيجة، لكن لا يوجد نص تشريعي يعاقب من يتزوج قاصرا سواء بعلم أهلها أو دون علمهم، فلماذا العقاب يقتصر على الأب والأم فقط.
ثغرة قانونية
ويؤكد الدكتور صلاح فوزي، لـ "بوابة الأهرام"، أن هذه العقوبات بالقوانين تشمل كلا من الوالي المسئول وهو الأب أو الأم أو الواصي، والمأذون والشهود، فقط ولا يوجد في أي مادة عقوبة للزوج الذي تزوج من الفتاة الصغيرة، وهذه ثغرة كبيرة بالقانون، حيث تعطي فرصة لأي شخص أن يتزوج عرفيا بقاصر دون خوف من عقاب، مطالبا بعمل قانون لتجريم زواج القاصرات ، وأن تكون العقوبات سالبة للحرية ويتم إلغاء الغرامات، وأن تعدل العقوبات لتشمل الزوج أيضا، فتكون العقوبة لكل من الوالي المسئول والمأذون والشهود والزوج.
ويؤكد أستاذ القانون الدستور ي، أن موافقة الطفلة على الزواج لا يأخذ بها ومشكوك بها لأنها غير متزنة، لذا العقد باطل، والعقاب للزوج لأنه على دراية كاملة أنه يخالف القانون بهذه الزيجة، لافتا إلى أن الزواج المرتب للآثار القانونية هو الزواج الرسمي الموثق، والقوانين حددت سن الزواج وهو 18 عاما، وبالتالي زواج القاصرات جريمة لابد أن يعاقب عليها القانون، لافتا إلى أن ضحية هذه الزيجة هم الأطفال الذين يتم إنجابهم لعدم إثبات نسبهم، والطفلة التي أنجبت.
غياب عقاب الزوج
واتفقت معه، أشجان نبيل المحامية في شئون المرأة، واستشاري العلاقات الأسرية، قائلة إن المجتمع يعاني من أزمة تزويج الأطفال والقاصرات بشكل كبير، وعدم وجود عقوبة للرجل الذي يتزوج من فتاة صغيرة ثغرة في القانون، كما أننا لا يوجد لدينا تجريم ل زواج الأطفال ، فنحن لدينا 117 ألف حالة زواج أطفال من سن 10 سنوات حتى 17 سنة، وذلك بحسب إحصائية لجهاز التعبئة والإحصاء، ومنهن من تم تطليقهن، وهذه العقود الموثقة، والغير موثقة أكثر بكثير.
جواز العقد العرفي
وعن جواز العقد العرفي من طفلة، تؤكد أن هذا العقد باطل، بالرغم من أن الزواج العرفي معترف به قانونيا، إلا أن أركان الجواز غير مكتملة، فهي طفلة بدون ولي ولا إشهار ورضا الطفلة عن الزواج لا يؤخذ به ولا يعتد عليه في القانون، لذلك فالعقد ليس له أي أساس من الصحة، والطفل الذي أنجبته يعتبر طفلا غير شرعي، ف زواج القاصرات بالأساس مرتبط بالفكر الوهابي والسلفي وغير مقبول بالمرة في مجتمعنا المصري، كما أن الدين يتبرأ منه نهائيا.
مطالب بتجريم زواج الأطفال
وتساءلت أشجان نبيل: "أين موقف مجلس الطفولة والأمومة في هذه الجريمة"، وناشدت مجلس النواب بعمل تشريع قانوني يجرم زواج الأطفال ، ويعاقب كل من الأهل والمأذون والزوج وكل من يقوم بتزويج طفلة لم تكتمل السن القانوني، لأن هذا الزواج خطر على الأمن القومي ويزيد من أطفال الشوارع والجرائم الأسرية، والأطفال هم الضحية الأولى من هذا الزواج، وأن يتم تطبيق القانون والعقوبات بشكل صارم.
أما بالنسبة لكيفية إثبات نسب الطفل الذي تم إنجابه نتيجة هذا الزواج، توضح المحامية في حقوق المرأة، أن مكاتب التسجيل لا تطلب شهادة الزواج إذا كان الأب موجودا فسيتم إثبات نسب الطفل وعمل شهادة ميلاد له، وهذه مشكلة أخرى فلابد على مكاتب التسجيل أن تطلب وثيقة تثبت الزواج، ولا يتم عمل شهادة الميلاد إلا بوجود وثيقة الزواج سوا بوجود الأب أو بعدم وجوده.
عقوبات استغلال الأطفال
فيما يؤكد أحمد مصلحي رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال ب نقابة المحامين ، أننا لدينا الكثير من التشريعات والقوانين التي تحد من ظاهرة الزواج المبكر وتحمي الأطفال، إلا أن الكارثة هنا هو عدم تطبيق القوانين على من يقوم بمثل هذه الأفعال، فإذا طبقنا القانون على هذا الرجل الذي تزوج طفلة عرفيا، فإن هذا العقد يثبت أنه استغل الطفلة استغلالا جنسيا يحاكم عليها القانون مدة لا تقل عن 5 سنوات، طبقا للمادة 291 من قانون العقوبات بقانون الطفل، بجانب أنها تعهد حالة من حالات الاتجار بالبشر فتزيد المدة.
ويوضح "أحمد مصلحي"، أن هذا العقد العرفي باطل لأنه لا يعد بموافقة طفلة، فهي ناقصة تمييز من الأصل، ولا يجوز الحصول على موافقتها، لذلك تعتبر الزيجة باطلة، فهذا العقد هو موروث فكري خاطئ، ويجب أن يكون إثباتا لجريمته وليس براءته، فكيف يتم إخلاء سبيل المتهم لأنه اعترف أنه تزوجها ومعه عقد الزواج، وهذا إدانة له فالعقد العرفي ليس كامل الأركان وموافقة الطفلة عليه باطلة.
ويشدد أن الزواج المبكر من الأساس جريمة لابد من مواجهتها بشكل قوي، وعمل خطة كبيرة يصنعها المجلس القومي للطفولة والأمومة، وتعمل عليها جميع جهات الدولة، خاصة الإعلام والتعليم فيما يتعلق بخطورة الزواج المبكر الصحية والمجتمعية، إذا تم الترابط بين جميع جهات الدولة سيتم إيقاف الزواج المبكر نهائيا، خاصة زواج الصفقات لأنه يعد من أشرس أنواع الزواج المبكر وينتشر بين الأوساط الفقيرة والعشوائية.
مطالب بتعديل القانون
وطالب رئيس هيئة الدفاع على الأطفال ب نقابة المحامين ، مجلس النواب بتشريع قانون خاص يجرم زواج الأطفال ، ووضع عقوبات صارمة للرجل الذي يتزوج من فتاة صغيرة لم تبلغ ال 18 عاما، لأن اقتصار العقوبة على الأب والأم فقط والمأذون الذي حرر العقد تعتبر ثغرة كبيرة، تعطي فرصة للرجال أن يتزوجوا قاصرات بعقد عرفي للهروب من المساءلة القانونية.
الحكم الشرعي
أما من الناحية الدينية، يؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف ، أن زواج قاصر عرفي من دون علم أهلها أو بعلم أهلها زواج باطل، وحرام شرعا، منوها أن عقد الزواج له أركان وشروط للطرفين، ولا يصح الزواج من صبية أو مراهقة أو طفلة، ويجب أن يكون الزواج في سن البلوغ، وتكون الفتاة اكتملت من جانب العقل والرشد حتى يمكن لها قيادة عائلة، ويأتي ذلك شرطا أساسيا في العبادات والمعاملات، وما استقر عليه الفقه الإسلامي في عقود المعاملات بزواج الفتاة في سن 18 عاما، ولابد أن يكون هناك تشريع قانوني للحد من الزواج المبكر.