عمان - الكاشف نيوز
عندما نتورط في الحب من حيث لا ندري، ينبغي أن ندرك أن الحب وحده لا يكفي لكي ننجح فيه، إنه يتطلب عدة أشياء ومجموعة من التضحيات مع القدرة على الاستمرار في أشد اللحظات يأسا وبأسا، وفي غياب هذه القدرة قد نضيع في زحمة رغبات مؤقتة، وإعجاب لا يعني شيئا أمام ما يفرضه عالم الحب، وخيبة تدفعنا إلى الانسحاب من عالم الغرام بشكل مؤقت أو بصفة نهائية. إذا فشلنا في أن نكون حقيقتنا منذ البداية، فمن الأحسن أن نعتزل الغرام والعلاقات الإنسانية، ليس مقبولا أن نوهم شريكنا بحب مزيف، نوهمه أنه ملك لنا، ونستنزف عمرنا لإثباته، وننفق بذلك ما تبقى من مشاعرنا، ونجعله يصدقنا بشكل مثير للشفقة. لقد تعلمنا من المجتمع بشكل مثير للسخرية، أن الحب لا يوجد إلا بوجود وثيقة تثبته، ولأننا نتاج تنشئة اجتماعية مريضة، كان طبيعيا أن نتصرف كما يشتهي المجتمع، لتصبح بذلك حياتنا رهينة أفكار مجتمعية تجعلنا نتنازل عن حقيقتنا، مقابل حقيقة موجعة تساير ما يريده الآخرون.
نتوقع دائما في عالم الغرام أن ننتصر، وقد ننتصر، لكننا في الغالب لا نفعل حيال ذلك ما يستحق، نواجه مصيرنا الغرامي بكل خجل، ونصير في مقابل ذلك مثاليين زيادة عن اللزوم، ونصنع جراء ذلك شخصيات لا تليق بنا، لأننا في خضم معركتنا من أجل الانتصار في الغرام والانقضاض على الشريك بكل اقتناع، نتورط في سلوكات وتصرفات لا تمثلنا، نفعلها فقط من أجل إبهار الشريك، وبسهولة ينكشف وجهنا الحقيقي، بعد أن نصطاد الشريك، وبعد أن يصطادنا بدوره، نجد أنفسنا أمام سلوكات كنا نستبعدها، وهذه الأمور تعجل بنهاية مشاعر لم نكن نتقنها، لأن المجتمع أجبرنا بشكل خفي أن الحب حرام، ودفعنا لنقتنع بفكرة أن كل ما نرتكبه من حماقات مرفوض في النهاية، ومع كل تبرير لأفعالنا نقتل حقيقتنا، ونرسو على ما يفرضه علينا المجتمع.
أحيانا نعتقد ساذجين أننا حصلنا على ما نريد في عالم الغرام، فنحاول أن نبلي بلاء حسنا للحفاظ على مشاعرنا، لكن الأيام تفاجئنا بما لم يكن في الحسبان، بعد أن نكون قد تورطنا في شريكنا بكل تفاصيله، وتقاسمنا معه كل شيء، حينئذ لا نفكر في العودة أو الانسحاب، بل إننا نطلب المزيد بعد أن تذوقنا حلاوة حب لم نكن نتقنه كفاية، بعد كل ذلك، نتفاجأ بما تخبئه لنا الأيام، قد يتمكن منا الملل لأنه جزء من لعبة الغرام، وقد يكون لتغير مزاجنا دور في استمرارنا، وقد تكون هناك أسباب خفية وراء ذلك، إنه حب فوضوي يأتي بشق الأنفس وينتهي بشق الأنفس، خصوصا أن هذه الأمور التي تُنهي هذه اللعبة تكون في الغالب مشتركة، وبالتالي لا مجال للعودة، والأشياء التي تنتهي هكذا قلما تعود، ويبدو أنها لن تعود، فقط نظل معلقين بين ذكريات حميمية تُذكرنا بأن الحب قد نصل إلى أقصى حدوده في كل شيء، لكن هذه الحدود لا تعني شيئا عندما لا نقدر على الاستمرار فيه، فنسقط في خيبات عاطفية تجعلنا نعيد النظر في هذا الشعور التي نرغب فيه باستمرار، ونشتهيه رغم قساوته.
مع كل حب جديد يسكننا أمل كبير في أن هذا الحب سيكون استثناء، وفي ظل المميزات التي نجدها في الشريك، نفعل كل ما في وسعنا لكي نجعل هذا الحب استثناء، نعيش لحظات ممتعة، نبرر لأنفسنا أن اقتنعنا بشريكنا فعلا، نتقاسمه كل شيء، ونتجنب معه السقوط في الملل، نتحرر من قيود العلاقات بكل من ملكنا من انفتاح وحرية، نحاول أن نبني علاقتنا معه على ثقة كبيرة، ونكتفي بكل ما يدفعنا إلى الشوق والحنين، لكننا مع مرور الوقت ندرك أن كل ما نصنعه أو نصطنعه لا يليق بالحب، لأن الحب الحقيقي أقوى من أن نبرزه بتصرفات عقلانية، وأبعد من أن نعيشه بكل مثالية، الحب الحقيقي هو أن نكون نحن بكل ما فينا من عيوب، وأن نتقبل شريكنا بكل ما له وما عليه، وأن نتصرف بتلقائية مبالغ فيها في إبراز مشاعرنا، أما ما عدا ذلك فهو لا يليق أن نمارسه في عالم الغرام.
وسط مجتمعنا الغارق في التفاهة نحاول أن نبرر الأشياء التي تناسب مصالحنا، ونعترف بأن وجودها ممكن، وأن المشكل مرتبط بالأفراد، والحق أن ذلك صحيح، لأن الأفراد هم من يعكرون صفو الأشياء، لأنهم لا يتقنون فن ممارسة الحياة والتعامل مع الأشياء كما ينبغي، ولذلك كان طبيعيا أن نكون متشائمين بخصوص واقع الحب في مجتمعنا، ليس بسبب الحب، بل بسبب أفراد تمت تنشئتهم بشكل سلبي، هم أفراد مليئون بالخدوش والجروح والعقد النفسية، رغم كل ما يتظاهرون به، إنهم يحاولون أن يغطوا أمراضهم النفسية بكل الممكنات، لكنها ما تنفك تظهر مع كل ممارسة لا واعية، فتظهر حقائقهم، ويظهر معها نسبة العقد التي يعيشون في ظلها، ولهذا كان من الطبيعي أن لا نتقن فن ممارسة الحب والحياة، ورغم كل ذلك نحلم دوما أن يكون لنا نصيب من هذا الحب، وأن تعطينا الحياء بسخاء كل ما نشتهي، لكننا مهما حصل لنا، سنظل مرضى بالعقد، ولن نتقن فن العيش وفن الحب، وسنكتفي فقط بالمحاولات.