عمان - الكاشف نيوز
يقال "إن الزواج سنة الكون"، فكما كان آباءنا في منزل والديهم وعندما كبروا تزوجوا، هذا هو حالنا، وإذا كان الزواج قديماً يغلب عليه السن المبكرة، فلماذا نتأخر في الزواج؟
ما هو تعريف الزواج المتأخر وما هي أشكاله
عرّف القاموس الفرنسي الزواج المتأخر على أنه؛ زواج الشاب والفتاة في سن متأخرة لسن الزواج المعتاد في هذا البلد أو ذاك، ويحدث ذلك بحسب القاموس الفرنسي نتيجة ميل الشباب للسفر خارج بلادهم بغرض الدراسة أو العمل.
كما يُطلق الزواج المتأخر على النساء والرجال الذين يتزوجون بعد سن الخامسة والثلاثين من العمر، فيشمل هذا النوع من الزواج أشكالاً ثلاثة:
- الشكل الأول، زواج رجال كبار السن بفتيات شابات، وهو الأكثر رواجاً.
- الشكل الثاني، زواج السيدات بشبان في مقتبل العمر وأصغر منهن، وهي أقل حدوثاً من الحالة الأولى، ولا سيما في مجتمعاتنا العربية.
- الشكل الثالث، فهو زواج رجال في سن الخامسة والثلاثين بسيدات بلغن الخامسة والثلاثين أو أكثر.
هناك عدة أسباب تدفع الرجال والنساء للتأخر في الزواج ويمكن أن نجملها على الشكل التالي:
الزواج المتأخر لدى الشبان: غالباً ما ينشغل الرجل بالدراسة، وبعد ذلك يعمل في مسعى لبناء نفسه وتوفير متطلبات الزواج، فريثما تتوافر هذه المتطلبات يكون الشاب قد بلغ سن الخامسة والثلاثين ويزيد، حينها قد يفكر في الزواج وقد لا يفكر به، ولاسيما بعد أن اعتاد العيش لوحده، فعلى سبيل المثال، يقول عالم الاجتماع المغربي جمال المغربي: إن هناك عوامل عديدة تدفع الشباب للتردد في الزواج في المغرب ومنها:
- الدراسة لفترة طويلة.
- ارتفاع مستوى المعيشة.
- إضافةً إلى صعوبة تأمين المسكن، فعلى سبيل المثال يقول المواطن المغربي مهدي: "إذا كان لي راتب جيد، أنا لن أتردد ثانية واحدة في الزواج، فالاستقرار العاطفي لا يمكن أن يوجد خارج إطار الزواج، لمدة ثلاث سنوات وأنا لم أعد أقبل علاقات عابرة ".
الزواج المتأخر لدى الفتيات: الأمر لا يختلف كثيراً، إذ يفضلن بناء أنفسهن بالدراسة والعمل، على اعتبار أن ذلك يحقق لهم حظوظاً أكثر في زواج مناسب، ومابين عرض زواج وآخر يسود لدى لفتيات التوتر، فغالباً ما يجعلهن مترددات في قبول الزواج، إما خوفاً من مستقبل العلاقة، أو قلقاً من الشخص المتقدم بطلب الزواج (هل سيكون خياراً صائباً أم لا).
العمر المتوسط للزواج في الدول العربية
أثبتت دراسة قام بها المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (Institut français du Proche-Orient)، وتحديداً العالم الفرنسي فرانسوا دو بيل إير (Françoise De Bel-Air) حول الزواج في الدول العربية في عام 2005، منشورة في كتاب عنوانه (صانعو الزفاف في الشرق الأوسط) (Les métamorphoses du mariage au Moyen-Orient) عام 2010، لكن تفاصيل الدراسة نشرها موقع بوك إديسون (books.openedition) الفرنسي، حيث اقتصر المعهد على ذكر اسم الدراسة في الكتاب، من دون عرض تفاصيل الدراسة، التي تقول: "إن بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية واليمن ومصر حافظت على معدل زواج للفتيات في حدود سن الثانية والعشرين، وفي البحرين والإمارات العربية المتحدة والأردن؛ وصل سن الزواج لدى الفتيات إلى ما بعد سن الخامسة والعشرين، وأصبح سن الزواج لدى الرجال ثلاثين.
إيجابيات وسلبيات الزواج المتأخر وعلاقته المحتملة بازدياد الوزن
يحقق هذا النوع من الزواج إيجابيات، كما له سلبيات، وتبقى المفاضلة بين الأمرين هي مقياس القرار الصائب في هذا الموضوع.
إيجابيات الزواج المتأخر
يوفر الزواج المتأخر إيجابيات عديدة للمتزوجين من الرجال والسيدات على حد سواء منها:
- زواج طويل الأمد: يكون الرجل والمرأة في الزواج المتأخر أكثر وعياً وإدراكاً للمسؤولية من الزواج في سن مبكرة، مما يقلل المشاكل المحتملة بين الزوجين، بالتالي يطيل عمر الزواج.
- مشاكل أقل في الحياة الزوجية: تقل عند الرجل والمرأة في الزواج المتأخر القرارات التي تشكل خطراً على الزواج (كترك العمل للبحث عن عمل جديد، تضخيم مشكلة بين الزوجين لحد ترك المنزل وطلب الطلاق).
- الدخل الثابت: استقرار الوضع المالي للزوجين في الزواج المتأخر، حيث يكون المتزوجون غالباً أمنّوا عملاً يوفر لهم دخلاً ثابتاً، بدل أن يقضوا وقتهم في البحث عن عمل فيما لو تزوجوا في سن مبكرة.
- تربية ناضجة للأطفال: الزواج المتأخر يسمح للزوجين ونتيجة خبرتهم في الحياة بالتعامل بشكل ناضج مع أطفالهم، ابتداء بتحديد عدد الأولاد، مروراً بتربيتهم، وتعليمهم، وانتهاء بحل مشاكلهم بحكمة وروية.
- السعادة والاستقرار: يسمح التأخر في الزواج للرجال والنساء أن يعيشوا مرحلة شبابهم كاملة، ويحققوا كل طموحاتهم، بعيداً عن سياسة "حرق المراحل" أي (الزواج والدراسة والعمل معاً)، وبذلك يتحول هذا النوع من الزواج إلى استراحة للشاب والفتاة ليتمكنا من بناء حياتهما الزوجية بسعادة وحب بعيداً عن ضغوط الحياة.
وكل هذه الإيجابيات كما ذكرها موقع فاميلي الفرنسي تحت عنوان مزايا وعيوب الزواج المتأخر وذكرنا منها ما هو أقرب لتفسير تأخر البعض في خطوة الزواج.
الزواج المتأخر يحافظ على الرشاقة
نصحت دراسة أجراها ريتشارد ألن ماتش لصالح مجلة الصحة والسلوك الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015، بالزواج المتأخر كوسيلة للحفاظ على الصحة، ووصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها، أن المتزوجين قبل إنهاء دراستهم الجامعية سيكونون أكثر ميلاً لتناول الطعام وأقل ممارسة للرياضة ممن يتزوجون في مراحل لاحقة، حيث وجدت الدراسة احتمالاً يقول: بأن نسبة 50% من أسباب السمنة ممكن أن يتسبب بها الزواج قبل الانتهاء من الدراسة الجامعية ومتبعتها بعد الزواج، مضيفة أن الزواج بعد التخرج يجعل الشباب والفتيات أكثر استعداداً للتعامل مع المشاكل التي قد تطرأ في الحياة الزوجية من الذين يتزوجون خلال أو قبل انتهاء المرحلة الجامعية.
سلبيات الزواج المتأخر
يسبب الزواج المتأخر وفق الموقع الفرنسي المذكور (Family Life) سلبيات عدة للمتزوجين من أبرزها:
- مشاكل بسبب الاستقلالية: نزوع الرجل والمرأة للاستقلالية التي تعودوا عليها لفترة طويلة من حياتهم، بالتالي صعوبة التكيف مع متطلبات الحياة الزوجية، التي تتطلب التنازل عن بعض الاستقلالية لضمان استمرارية الأسرة.
- مشاكل الإنجاب: يضع هذا النوع من الزواج قيود على القدرة على الإنجاب، فقد يتمكن الزوجان من إنجاب طفل واحد، أو لا يتمكنون من ذلك، حيث يقول أحد الناس في استطلاع أجراه موقع السنغال ويب: "إن الإنجاب في وقت متأخر قد يخلق مشاكل للمرأة، كما أنها قد لا تتمكن من الإنجاب إن تجاوزت سن الأربعين"، فيما قال شخص آخر: "إن الأطفال في الزواج المتأخر غالباً ما يحرمون من الأجداد".
- مشاكل العلاقة مع الأبناء: هناك فروق كبيرة بين الوالدين والأبناء، ما قد يُسبب صراعاً بين الأجيال، وصعوبة في التعامل بين جيلين مختلفين.
الزواج المتأخر يزيد نسب الطلاق؟
قالت دراسة أجراها موقع الصحة العاطفية الفرنسي عام 2015 في الولايات المتحدة الأمريكية، إن معدلات الطلاق تزداد في الزواج المتأخر (أي بعد سن الثلاثين عاماً)، حيث تكثر الأنانية ويقل الميل لتقديم تنازلات لإنجاح العلاقة الزوجية. حيث فسر الباحثون ارتفاع معدلات الطلاق في حال الزواج بعد الثلاثين (32-35 فما فوق) على عكس ما كان شائعاً في السابق حول استقرار العلاقة الزوجية على أثر زواج متأخر.
كما توصلت دراسة أخرى قام بها معهد الدراسات السكانية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن معدل الزواج المثالي يكون بين سن العشرين والثلاثين عاماً، فأقل من عشرين وأكثر من ثلاثين يزداد معدل الطلاق، واستندت الدراسة إلى تحليل بيانات للأسر الأمريكية خلال الفترة بين عامي 2006 و2010، حيث أظهرت النتائج أن كل سنة يتأخر فيها الزواج بعد سن الثانية والثلاثين يزيد احتمال الطلاق بنسبة 5%، وكل سنة يقل فيها الزواج عن سن اثنين وثلاثين يقل احتمال الطلاق بنسبة 11%.
أخيراً.. لاحظت أن معظم الدراسات التي اعتمدها هذا المقال تمت في مجتمعات غربية، أو قامت بها جهات بحثية أجنبية في بعض الدول العربية، وعموماً لم نعثر أثناء بحثنا في موضوع الزواج المتأخر؛ عن إحصائيات عربية رسمية أوموثوقة حول علاقة هذا النوع من الزواج بارتفاع نسب الطلاق عربياً، أو الفرق بينه وبين ارتفاع معدلات العنوسة، حيث كنا في مقال سابق حول العنوسة في الوطن العربي ذكرنا فقر البحث والدراسات العربية أيضاً، حول هذه القضايا المجتمعية الملحة والتي قد تكون نتائجها سلبية على الأسرة العربية.
خلاصة.. "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" بهذه الكلمات يمكن تلخيص حاجة كل منا للزواج، وبناء أسرة نفتخر ونعتز بها، تكون لنا ونديرها بالطريقة التي نراها مناسبة بعيداً عن الضغوط، فهذا بيتي وهذه أسرتي، وهذا زوجي أو زوجتي أهم ما أملك في الدنيا بعد والداي، فعلى أمل ألا يكون الزواج مجرد حاجة نقبل عليه هرباً من داء العنوسة، يبقى الزواج مؤسسة اجتماعية وشراكة بين طرفين تستحق التفكير.