أخر الأخبار
التثقيف الجنسي في لبنان يواجه بموجة من الرفض والسخرية
التثقيف الجنسي في لبنان يواجه بموجة من الرفض والسخرية

عمان - الكاشف نيوز

مازال الحديث عن الجنس من المحرمات في لبنان مثل سائر البلدان العربية. ويواجه خبراء شؤون العلاقات الجنسية صعوبة في تثقيف الناس وتوعيتهم، خصوصا إذا كان ذلك بصورة مباشرة.

وقد واجهت الخبيرة اللبنانية بشؤون العلاقات الجنسية ساندرين عطاالله موجة من الانتقادات لما طُلب منها مناقشة التثقيف الجنسي في لبنان على شاشة التلفزيون. وسخر منها مضيفوها الذكور وأطلقوا العنان لعاصفة نارية حول كراهية النساء في الشرق الأوسط.

وفي بلد يغيب فيه التثقيف الجنسي عن التعليم ولا تزال المناقشات حول الجنس من المحرمات، كانت عطاالله تأمل في تقديم الحقائق على طاولة المفاوضات وتبديد المعلومات المضللة، ولكن حتى قبل أن تبث على الهواء، انتقدت مجموعة المضيفين (معظمهم من الذكور) مقاطع الفيديو التعليمية التي نشرتها على الإنترنت، بما في ذلك واحدة عن الإثارة وأخرى عن العادة السرية.

وقال أحد المضيفين الذكور “أحيانا يكون هذا تعليما جنسيا، وأحيانا يكون مثيرا، لا أعرف”. وقال آخر “الطريقة التي تتحدث بها مثيرة للغاية تجعل عقلك يذهب إلى مكان آخر”.

وغالبا ما يوصف لبنان بأنه من أكثر الدول ليبرالية في الشرق الأوسط، لكن عطاالله قالت إنه بلد لا يعرف فيه الكثيرون أسماء الأعضاء الحميمة ووظائفها. وذكرت أن “النساء، على وجه الخصوص، ليست لديهن فكرة في كثير من الأحيان. ويعتقدن أن هناك جدارا يحتاج الرجل إلى كسره قبل المرة الأولى التي يمارسن فيها الجنس”.

وتلخص الحادثة التي تعرضت إليها عطاالله الموقف السائد تجاه الجنس والمرأة في لبنان، وهو، وفق قولها، ما يدل على عدم نضج.

وتعمل عطاالله في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت وتقدم بودكاست أسبوعيا بعنوان “حكي صريح”، وسجّلت أكثر من 100 ألف تنزيل شهريا، معظمها من مستخدمين في المملكة العربية السعودية ومصر. وجمعت ربع مليون متابع ونصف مليون إعجاب على تطبيق مشاركة الفيديو الشهير تيك توك، الذي يستخدمه المراهقون بشكل كبير، في أقل من ستة أشهر.

وأكدت عطاالله أن الطلب على المعلومات مرتفع، لكنها قالت إن اللغة كانت حاجزا لأن العديد من اللبنانيين يعرفون المصطلحات الفرنسية أو الإنكليزية فقط عندما يتعلق الأمر بالأعضاء الجنسية بسبب التاريخ الاستعماري والتساؤلات المستمرة حول هوية الأمة في العالم العربي.

وتابعت “لسنا على دراية بهذه المصطلحات في لبنان. يرتبط هذا بموقف أننا لسنا عربا وأننا مختلفون وأفضل، وهذا ليس صحيحا”. فهناك بلدان أخرى في المنطقة تتمتع بنهج أفضل و”أكثر جرأة” للصحة الجنسية.

وأشارت إلى أن هناك اعتقادا خاطئا في لبنان بأن الحديث عن هذه الأشياء سيجعل الناس يمارسونها، ولكن العكس هو الصحيح. فالتثقيف الجنسي يعلم النساء أنه بإمكانهن قول لا، ويرفع سن النشاط الجنسي ليتجنبه الأصغر سنا، ويساعد على تجنب حالات الحمل غير المرغوب فيها والجنس غير المحمي.

ويبذل الأفراد والمؤسسات جهودا كبرى في لبنان من أجل عدم وصم الأحاديث المفتوحة عن الجنس بالعار.

وكان موضوع تطبيق التعليم الجنسي في لبنان محل خلافات، فقد كان موضع نقاش لأول مرة في العام 1995 حين قامت منظمات تابعة للأمم المتحدة والعديد من الخبراء تحت إشراف المركز العلمي للبحث والتطور بتصميم منهج للتعليم الجنسي مخصص للصف الثامن.

وتضمن المنهج التغييرات التي تحدث أثناء عملية البلوغ وتشريحاً للأعضاء التناسلية ووظائفها ونظرة عامة إلى الدورة الشهرية للمرأة والخصوبة. وبالرغم من أنه كان قائماً على مبادئ علمية، فإن تلك الموضوعات اعتُبرت حسّاسة ثقافياً. وقال المنتقدون إن تطبيق المنهج سيقود إلي الانحراف والتعامل مع الجنس على أنه أمر بسيط وتحديداً بين التلاميذ غير المتزوجين.

كما خرجت في التسعينيات، توصيات غير تشريعية بضرورة إدخال التربية الجنسية وتعزيزها في بعض المواد، وخصوصا منها العلوم والتربية المدنية، لكن الباحث في تفاصيل المنهاج التربوي اللبناني، يصطدم بأن التربية الجنسية نُسفت من مادة العلوم في المناهج التربوية اللبنانية.

وبعد البحث والتدقيق يدرك الباحث أنها عادت بشكل خجول تحت اسم "التربية السكانية من منظور اجتماعي"، ويبدو هذا التحوّل مضحكا جدا وفق عديد الباحثين . ويرجع خبراء الاجتماع ذلك إلى أن لبنان بلد يتميّز بخصوصية التعدد السكاني والديني والطوائفي والاجتماعي.. ففي الوقت الذي قوبل فيه موضوع "التربية الجنسية في المدارس"بتفاعل عادي جدا في المؤسسات غير الإسلامية قوبل الموضوع باعتراض كبير وتصدٍ من قبل بعض المؤسسات الإسلامية، التي سجّلت نقاط تحفّط عليه.

كما قوبل موضوع التربية الجنسية بسيلٍ ضخمٍ من الأجواء السجالية وبرامج التوك شو الإعلامية، بين مؤيدٍ ومرحّب بها، كإطلالة علمية ومعرفية يحتاجها الجيل الناشئ في خضمّ الحياة المعاصرة، وبين معارض ومتوجّس، واعتبر بعض الإسلاميين  أن الأمر تنفيذٌ لمطالب استعمارية وغربية مستشهدين بالمادة 108 من وثيقة بكين التي تطالب بإدراج تعليم الجنس الآمن في المناهج التعليمية، حيث تنص المادة على ضرورة توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون بما في ذلك استخدام وسائل الوقاية المناسبة للوقاية من فيروس الإيدز.

ويبقى موضوع التثقيف الجنسي، خجولاً جداً عند التطرق إلى مختلف جوانبه، باعتباره من المواضيع التي لا تُناقش والتي تحرج مجتمعاًت تعتبر محافظاً نسبياً.

وحتى في تونس البلد التقدمي أثارت مسألة إدراج التربية الجنسية ضمن المقررات المدرسية جدلا واسعا، خاصة في الأوساط الريفية . وظل الحديث عنها سطحيا يكتنفه الغموض نظرا إلى قلة أهل الاختصاص.